الأحد، 24 يوليو 2011

أخماسٌ بأسداس !!



[ من الأرشيف ]

27 يوليو، 2010


 
كثيرةٌ هي المواقف التي قد تستوقفنا في حياتنا الاجتماعية اليومية ، و التي قد تؤثر في توجهاتنا و مجريات الأمور لدينا ، و كثيرةٌ هي الأحداث التي قد تروق لنا و كثيرة أيضاً التي قد ننبذها و نحاول إقصائها حتى لو كان هذا الأمر أشبه بالمستحيل ، و ما أكره شق الصفوف و زعزعة الألفة و شتات الجموع .

عندما نتأمل قضية العنصرية التي لا زالت (( و للأسف )) تجري في دم البعض جريان الدم في الوريد ، و لا زالت تؤثر في الرتم الحياتي العام لمجتمعاتنا و تفتك بالعلاقات الشخصية الجميلة ، نضرب أخماساً بأسداس على حال أمتنا المؤسف . فهناك من يبحث عن الاختلاف لمجرد الاختلاف ، لا لهدفٍ ينشده أو غاية يود تحقيقها .

 
إن المحاور التي ترتكز عليها العنصرية كثيرة لدينا ، و تبرز بعضها على حساب البعض حسب الوقائع و الأحداث المحيطة ، و أبرزها : (( الطائفية )) و هي القائمة على اختلاف العقيدة و المذهب ، و (( العرقية )) و هي القائمة على اختلاف اللون ، و (( الإقليمية )) و هي القائمة على اختلاف الإقليم أو الدولة ، (( القبلية )) و هي القائمة على الانتماء لقبيلة معينة . و من الصعب جداً أن تتفق مع أي شخص في كل ما سبق من محاور ، و ثمة اختلاف في أي منها قد يؤدي إلى نشوب صراع نفسي كبير ، و إن فتحت الباب ، سوف تدخل في مدٍ و جزر ، و حلٍ و ترحال غير منتهين .

أتفق مع سماحة الشيخ حسن الصفار عندما يطالب بإبقاء كل ما يدعو للخلاف داخل الصدور ، و إفشاء السلام و المعاملة الحسنة من أجل التعايش و تقريب وجهات النظر ، و دائماً ما أدعو أنا شخصياً لنبذ أي شيء يدعو للفرقة و التباين ، و أطالب أن نتعامل مع بعضنا بمبدأ إنساني بحت بعيد كل البعد عن أي عنصرية من أي نوع . ألا تكفي الإنسانية وحدها لإذابة جليد أي اختلاف صغر أم كبر ؟!.. فنحن أياً كانت معتقداتنا أو أعراقنا أو أشكالنا أو ثقافاتنا أو أقاليمنا ، نبقى أبناء الدين الواحد ، و أبناء الوطن الواحد ، و أبناء اللغة الواحدة ، و أبناء الزيّ الواحد ، و أبناء الهوية الواحدة ، فلمَ دائماً ننظر لمَواطن الاختلاف كي نشقى ، و لا ننظر لمَواطن الاتفاق كي نرتاح ؟ّ!.. لمَ دائماً نبحث بحثاً دءوبا عن التنازع و التصارع و لا نبحث لو بحثاً بسيطا عن التصافي و التسامح ؟!.. لمَ نضع جُل إهتمامنا في التنقيب عن عيوب و أخطاء الطرف الآخر ، و لا نعير حسناته و إبداعاته أي إهتمام ؟!.. لمَ التركيز على الجزء الفارغ من الكوب و إهمال الجزء الممتلئ الذي هو الأهم ؟!

هناك من يحاول استغلال الأمور العامة لمصالحه الخاصة بزرع الفتن و دَسّ السم في العسل ، و هناك من لديه خلط و مزج في الأمور ، فيضع حواجز العنصرية داخل نطاق العمل ، أو هناك من تكون لديه السلطة و يجعل الأولوية في إعطاء أي فرصة لمن يتفق معه في أي محور من محاور العنصرية السالفة الذكر ، و يحرم من هو الأكفأ و الأجدر بالفرصة فقط لأنه لا يتفق معه عنصرياً !!.. أقول هنا : (( ما هكذا يا سعد تورد الإبل )) ، و يجب أن نفصل بين أي إختلافات ناجمة عن أفكار و معتقدات جاهلية هدامة ، و بين ما يجب علينا إتباعه من أجل المحافظة على علاقات إنسانية سامية بسمو نفوس و أخلاقيات أصحابها ، مترتباً على ذلك صرف الحقوق الواجب إعطائها لمن يستحقها و الأكفأ بها بغض النظر عن إنتمائه ، و عدم إعلاء كعب فئة على فئة أخرى لأي سبب من الأسباب ، و يجب أن يكون المقياس الحقيقي هو الوطن و لا شيء سواه ، و ما دمت مواطناً فلي الحق أن أتمتع بكافة الحقوق و المزايا التي يتمتع بها غيري ، و يجب نشر الصفاء و النقاء على كافة الأصعدة سواءاً في الشارع العام أو في محيط العمل أو في كل ما قد يؤدي إلى وفاقنا برغم إختلافنا .

يحضرني الآن مشهد جميل و معبّر لحلقة في إحدى أجزاء المسلسل الكوميدي الجميل (( طاش ما طاش )) و الذي يحمل بين طياته نقد لاذع بأسلوب فكاهي جميل ، المشهد لحلقة تروي قصة دكتور في الجامعة يحمل عقلية كبيرة و لكنه مهمل في طريقة لباسه ، لدرجة أن طريقة إرتدائه للشراب تكون لكل قدم (( أعزكم الله )) لون مختلف عن الأخرى ، و حدث لَبس معين و أشيع أنه قد توفي بإقرار الأوراق الثبوتية الرسمية ، و ذات يوم أراد السفر عن طريق المطار و أستوقفه موظف الجوازات و منعه من السفر بحجة أن صاحب الجواز الذي أمامه شخص متوفي ، فحاول الدكتور أن يقنعه أن هناك لَبس في الموضوع دون أي جدوى ، و لما عجز الدكتور عن الوصول لنتيجة ، طلب من موظف الجوازات أن يقابل الضابط المسئول ، فرد عليه الموظف حرفياً : (( أنت أول إلبس شراباتك زي الناس و بعدين اطلب تقابل المسئولين )) ، فرد عليه الدكتور رد مفحم قائلاً : (( مشكلتكم دائماً تنظرون لما في الرجلين و لا تنظرون لما في داخل الرأس )).

للأسف أن هناك أشخاص مُغَيَّبي العقول ، و تركوا مهمة التفكير و إتخاذ القرار لغيرهم ، فإن قيل لهم هذه فئة كافرة كفروها ، و إن قيل لهم هذه فئة دونية أدنوها ، و إن قيل لهم هذه فئة تختلف معكم في وجهات النظر أقصوها ، دون النظر لمحتوى العقول و الثقافة ، و دون حتى البحث و التقصي عن مدى مصداقية الناقل و المنقول ، و المشكلة أنهم يتشدقون دائماً بكلام الله تعالى و كلام رسوله ، و نسوا أو تناسوا أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يحث على التسامح و الأخلاق و جمع الصفوف و تآلف المسلمين ، و قوله : (( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) خير دليل ، فبدأ بالأخلاق و لم يقل الدين ، و هذا دليل على أهميتها ، و هناك آيات قرآنية كريمة كثيرة تدعو لحسن الخلق ،من بينها قوله تعالى :{ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }[سورة آل عمران : 159 ]، و قوله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [سورة النحل : 125]
و قوله تعالى : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [سورة البقرة: 263].

ختاماً ، أسأل الله سبحانه أن يَمُنَّ على عباده بالهداية و الصلاح ، و أن يشرح الصدور ، و ينير العقول ، و يجمع الصفوف و يثبتها على الخير .


 رائد علي البغلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق