الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الإنجاز قد يبدأ بقطعة حلوى..!!




يعتبر البعض مفردة "إنجاز" دلالة على شيءٍ عظيم و عصيّ ليس بمقدور الكل ملامسته . فالإنجاز في نظرهم حكرٌ على فئة معيَّنة من الناس ، يتمتعون بقدراتٍ فائقةٍ ، و عقولٍ ناصعةٍ ليست في متناول الجميع ، و هذا ما يزرع اليأس المُبَكّر و يصنع حواجز الإحباط في نفوس هؤلاء البعض . لكن في واقع الأمر ، فإن الإنجاز في مفهومه العام يُعبِّر عن أي شيء يُنجزه الفرد بشكلٍ جيّد يجد الرضى و الإستحسان في نفس مُنفّذه و في نفوس متلقيه. ففنجان القهوة المُمتع يُعبّر عن إنجاز ، و قطعة الحلوى اللذيذة تُعبّر عن إنجاز ، و معطف الصوف الأنيق يُعبّر أيضاً عن إنجاز.
الإنجاز قد يبدأ صغيراً لا يُرى ، لكن مع الإصرار و العزيمة و الطموح قد يصبح عظيماً و أبلجاً ، فكثير من مشاريع الكوفي شوبز الضخمة و المنتشرة الفروع في أصقاع العالم بدأت بفنجان قهوة أعدّه شخصٌ مُغرَم بصنع و شرب القهوة ، و كثير من محلات التنسيق و الهدايا نجحت لعشق صاحبها التنسيق و التغليف و التزيين ، و كثير من محلات الحلويات و الكيك نجحت أيضاً لهواية صاحبها إعداد الحلى و الكيك. كل ما سبق من المشاريع بدأت بهواية أو عشق لشيء ما ، و سرعان ما أشعل هذا العشق فتيل الفكرة في رؤوس القائمين عليها و حوَّلوها من متعة و هواية شخصية لا تتعدى محيط الغرفة أو المكتب أو المخزن ، إلى فائدة تجارية و إنجاز جُيِّر بأسمائهم تعدى المكان و الزمان ، و متعة و فائدة أيضاً للغير و المتمثلين في زبائنهم.
و لنقس على ذلك الكثير من المشاريع التي بدأت و نجحت و استمرّت من واقع هواية ملّاكها لنشاطاتهم ، كالمطاعم و الورش و استوديوهات التصوير و محلات الخياطة و غيرها.
في أحيانٍ كثيرة ، لا يُمكن أن يُقاس الإنجاز بحجمه ، بل بنوعه و كيفيته و مدى إضافته و كمية إبداعه ، فنجد أن هنالك الكثير من المشاريع البسيطة التي تحظى بأفكار خارقة و قدرة على التطوير و الوثب الطويل ، بينما هنالك مشاريع عملاقة تعتريها التقليدية و الروتين الذي حجَّمها و قولبها و جعلها غير قادرة على الحِراك.
بعض البشر لم يسمح لتجاربه البسيطة أن تصل لمرحلة الإنجاز و سرعان ما حرمها النور و قتلها في مهدها بسبب عدم نجاحها في بداية المحاولات و بسبب المثبطين الذين نزعوا من عليه سُترَة الأمل ، فنجده استسلم للفشل و التقهقر ، و انكفأ على نفسه مغلقاً أيَّ بابٍ للمحاولة.
بعض الإنجازات لا يمكن توارثها ، فنجد أن هنالك مشاريع ضخمة أعلنت إفلاسها بسبب إنتقال إدارتها للورثة أو لإدارة أخرى غير ناجحة ، و في المقابل ، نجد أنَّ هنالك بعض المشاريع خرجت من رحم المعاناة بولادةٍ متعسّرة ، لكن هذا ما منحها الصبر و الثقة و الثبات ، فالفشل عند البعض هو آخر المطاف ، لكن ذات الفشل عند البعض الآخر هو رصيد متراكم من التجارب يصبّ في محيط الخبرة.
بقي أن أشيد بدور المرأة في الكثير من النجاحات في عالم المال و الأعمال ، فقد قرأتُ قصص نجاحٍ كثيرة كان للمرأة الدور الأكبر في تبنّيها و دعمها إما بالمال أو التحفيز أو كليهما ، و لعلّي أورد بعضاً منها باقتضاب للإستشهاد بها .
- في العام 1958 م بدأ الأخوان الأمريكيان دان و فرانك كيرني مشروعهما الصغير بـ 500 دولار من والدتهما ، و كان لهذا المبلغ الزهيد الأثر الكبير في افتتاح مطعماً للبيتزا . حظي هذا المطعم بإقبال ممتاز ،  و سرعان ما انتشرت فروعه في كافة الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى وصلت إلى جميع أنحاء العالم . إنه (بيتزا هت).
- و في العام 1924 م بألمانيا ، افتتح الأخوان أدي و رودي داسلر متجرهما الأول لبيع الأحذية في غرفة الغسيل المحاذية للمطبخ التي تبرّعت بها والدتهما أيضاً كي يرى مشروعهما الأول النور. لاقى المحل رواجاً جيّداً ، لكن لعدم اتفاق الأخوين فكرياً قررا الإنفصال ، فافتتح آدي داسلر (أديداس) و هو مشتقٌّ من اسمه الأول و الثاني ، و افتتح أخيه (بوما) و هما اليوم من أشهر الماركات العالمية في مجال الملابس و الأحذية و المستلزمات الرياضية.
- بودّي أيضاً أن أردف قصة الأميركي ستيفن إدوين كينج كاتب قصص الرعب الخيالية و الذي حققت مبيعاته أرقاماً مليونية. عاش ستيفن بدون أب في صغره لأن والده تركه مع أمه و أخيه الأكبر بالتبنّي و هرب ، فأخذت الأم تعمل طاهية في مؤسسة خيرية لذوي الإحتياجات الخاصة كي تصرف عليه و أخيه ، و تفرّغ هو لدراسته و هوايته الأثيرة ، و على الرغم من أنه تعرّض لعدة أمراض من ضمنها إرتفاع ضغط الدم و ضعف البصر و ثقب في طبلتي الأذن ، و من ثَم تعرّضه لحادث سير في العام 1999 م تهشَّمت على إثره عظامه و كاد أن يخطف بصره ، إلا أن كل ذلك لم يُثنه عن مزاولة إبداعاته و إنجازاته ، فقد قضى فترة بقائه في المستشفى في كتابة روايته ( The Plant) ، و طرحها في عالم الإنترنت كي تكون في متناول القرّاء مقابل دولارٍ واحد للتحميل.
بعض الإنجازات تكون ومضة في بدايتها كي تكشف لنا أول الطريق ، فتتحوّل إلى شمعة تضيء لنا مجمل الطريق ، فتتحوّل إلى شمس تنير لنا كل حياتنا دون أن تغرب.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق