قد لا نكره أصحاب التجارب المُترَفة و المدعومة ، و لا نحمل في قلوبنا عليهم ذرّةً من حقد ، حتى و إن شعرنا أنهم فئة ذات خصوصية فائقة ، و امتيازات عالية خوَّلتهم لأن يجدوا كل الطرق أمامهم مفروشة بالورد ، و كل الأبواب مُشَرَّعة ، و يسيروا نحو أهدافهم بثبات ، و يصلونها دون عناءٍ ، و يواجهون أمورهم بدَوْزَنَة ، لأننا نتحلّى بشيءٍ من الانصاف ، و نوقن أن حتى أصحاب الوساطات و المحسوبيات لا يخلوا بعضهم من الإبداع ، لكن الفرق بين إبداعنا و إبداعهم هو أن إبداعهم ما إن يتم اكتشافه في محيطهم الضيّق ، إلا و سرعان ما يتم اكتنافه و رعايته و صقله ، و أحياناً منحه أكبر من حجمه بُغيَة وصوله إلى كافة الأوساط ، بينما يحتاج إبداعنا –و إن كان أجمل- الكثير من الصبر المُجهد ، و المحاولات المُضنية ، علَّنا نستطيع أن نُسلّط عليه بعض الوميض كي يُلفت نظر أحد المارَّة.
و
لكن أليس من حقنا أن نسأل : لِمَ لَمْ ينطلقوا معنا من نقطة انطلاق واحدة في مضمار
البحث عن فرصة ؟!.. و لِمَ يْسَمح لهم أن يصلوا لصندوق الفرص قبلنا و يستكشفوا ما
به و يختاروا ما يحلو لهم ، بينما ما نلبث نحن أن نصل له ، إلا و نجد أن الفرص قد
تفرَّقت ، و لم يتبقَّ منها إلا الفتات ؟!..
هل
خوفاً منّا عليهم ؟!.. أم خوفاً منهم على أنفسهم ؟!..
هل خوفاً من أن نتفوق عليهم في حضورهم ؟!.. أم خوفاً من أن يهزموا أنفسهم في حضورنا ؟! .. أم أن فارق المسافة بين نقطة انطلاقنا و نقطة انطلاقهم رسالة واضحة في أن السباق محسوم لهم قبل أن ينطلق ؟ هل يعني ذلك (التثبيط) لنا ، و (التحفيز) لهم ؟!
هل خوفاً من أن نتفوق عليهم في حضورهم ؟!.. أم خوفاً من أن يهزموا أنفسهم في حضورنا ؟! .. أم أن فارق المسافة بين نقطة انطلاقنا و نقطة انطلاقهم رسالة واضحة في أن السباق محسوم لهم قبل أن ينطلق ؟ هل يعني ذلك (التثبيط) لنا ، و (التحفيز) لهم ؟!
يا
للعجب ، يقفون معنا على أرضيَّة واحدة ، لكنهم يمتلكون كواكب بعيدة ، و يدرسون
معنا في صفوفٍ واحدة ، لكنهم يغازلون مواقع شاهقة. يستعينون بدفاترنا في حلّ
واجباتهم ، و هم مَن ينالون التكريم و التمجيد !!
عزيزي
المُبدع.. لا تستغرب إن درّبتَ شخصاً مُستجدّاً في يومٍ من الأيام و وجدته رئيساً
عليك بعد انتهاء الفترة التدريبية ، فبعض الأقدار تهبنا جسوراً لهم كي يعبرون علينا
من أجل الوصول لأهدافهم ، أو أهدافنا المسلوبة إن صحّ التعبير.
ما
يقضّ مضاجع جوقة من البشر هو المجهول ،
نعم المجهول ، فتخيّل نفسك تسير في نفقٍ مظلم أو و أنت معصوب العينين ، حتماً
ستسير و أنت في غاية الذعر و التوجّس ، فلا تعلم ما قد يعترض طريقك أو ما قد ترتطم
به أو تقع فيه . فأنت نعم تسير ، لكن إلى أين ؟! لا تعلم ، و متى الوصول ؟! لا
تعلم أيضاً .
إنه
التِّيه يا أصدقاء ، فمبدأ المكافأة بعد الإنجاز غائب ، و مبدأ إزاحة الأسوأ و
إتاحة الأكفأ غير موجود ، و تظل الأسئلة الكثيرة حائرة في العقول ، و تظل الآهات
المُتَّقِدَة حبيسة الصدور. و لا ندعو إلا بدعاء مَن كانوا قبلنا : }رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا {
يساورني
شعورٌ بالحزن عندما أتذكّر أن هنالك حفنة من الأساطين الذين يقبعون في بقعٍ
يعتريها الظلام الدامس ، خلف حواجز اسمنتية تجعلهم بمعزلٍ عن منصّات الإبداع التي
يرومون اعتلائها ، و في مخبأ عن الأضواء التي يستحقون اعتناقها .
بل أن الكثير منهم لا يجد مَن يقول له كلمة "مبدع" ، و هي الكلمة التي لا تحمل فضلاً أو مديحاً ، بل هي وصف مستحق لهم. و في المقابل ، نجد أنصاف المبدعين يحظون بالتلميع و تسليط الأضواء عليهم و عرض تجاربهم بشكل مرئي و مكتوب و كأنها تجارب الفاتحين .
بل أن الكثير منهم لا يجد مَن يقول له كلمة "مبدع" ، و هي الكلمة التي لا تحمل فضلاً أو مديحاً ، بل هي وصف مستحق لهم. و في المقابل ، نجد أنصاف المبدعين يحظون بالتلميع و تسليط الأضواء عليهم و عرض تجاربهم بشكل مرئي و مكتوب و كأنها تجارب الفاتحين .
كثيرٌ
من الطامحين و المُبدعين تكسَّرت أحلامهم على صخرة الواقع بسبب الواسطة و المواربة
و عدم تكافؤ الفرص ، و انتابتهم حينها حشرجة الموت . كيف لا ينتابهم ذلك و هم يرون
طموحاتهم التي هي كل حياتهم تُسَلب أمام أعينهم دون هوادَة ، و هم غير قادرٍين على
الحِراك و لا على الكلام ، و لا على التنفّس أحياناً ؟!
ليست
المحال و الأراضي و العمارات وحدها التي تتعرَّض لـ (الاكتراء) ، بل حتى الكثير من
المواقف و المبادئ و الضمائر دون حياءٍ أو جَمجَمَة. إنها الهوَّة التي تغور فيها
القيَم في سبيل المصالح.