[من الأرشيف]- 12 مارس، 2011
اعتادت الكثير من الدول أن تجتاحها الكوارث الطبيعية من زلازل و براكين و أعاصير بين فترات ، حتى أصبحت بعض الدول تشتهر بهذه الكوارث ، و لليابان نصيبٌ وافرٌ منها ، فقد تلقت الكثير من الزلازل طوال تاريخها ، و كان الكثير منها يقع تحت مسمى تسونامي ، لكن يُعتبر تسونامي الأخير الذي اجتاح اليابان في 11 مارس 2011 هو أقوى الزلازل في تاريخها ، إذ بلغت قوته على مقياس رختر 8.9 ، وقد وقعت على إثره فيضانات و انفجارات أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح و الممتلكات .
لكن بودي هنا أن أطرح تساؤلا اعزائي القرّاء ..
لو وقعت هذه الكارثة الطبيعية – لا سمح الله - على إحدى الدول الخليجية أو العربية أو إحدى الدول النامية ، ترى هل سيكون لها وجود على الخارطة الاقتصادية أو السياسية من جديد ؟!.. هل ستقوم لها قائمة مجدداً ، و هل سترتفع لها راية في أيٍ من المحافل الدولية ؟!.
تعرضنا لاختبارٍ إلهيٍ في مدينة جدة عام 2009 و الذي أسميه أنا (( اختبار الدور الأول )) ، هو اختبارٌ بسيط ، و لكن لضعف الاستعداد أصبح قاسياً و صعباً جداً ، اختبارٌ حول عروس البحر الأحمر إلى أرملةٍ بهطولِ أمطارٍ غزيرة أغرقت جدة و أهلها، و ارتفعت على إثره صيحات الرأي العام و الشارع السعودي بأكمله مُندِّدين بما حصل للعروس ، و مطالبين باجتثاث الفساد الذي تسبب في هذه الكارثة ، و محاسبة المسئولين عن هذا الفساد و المقصرين في أداء الواجبات المناطة إليهم ، و لم يمضِ على أحزان أهالي جدة كثيراً ، حتى جاء موعد (( اختبار الدور الثاني )) الذي هو الفرصة الأخيرة للنجاح ، أو النجاة إن صح التعبير ، و في السنة التي تليها ، هطلت الأمطار بغزارة و تحولت إلى سيول أغرقت شوارع جدة من جديد ، و لتكشف أن المسئولين لم يحركوا ساكناً هناك ، و يبدوا أنهم ظنوا أنها كارثة عابرة ، و استبعدوا أن تتكرر في السنة التي تليها ، و لكن : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } .
اليابان تعقد المؤتمرات و تعطي الدروس في إدارة الكوارث الطبيعية على مستوى الفرد و المجموعة ، و تُشَيّد المباني و الطرقات المقاومة للزلازل و تقيم البنى التحتية و أدوات التصريف وفق أسس علمي و على أعلى مستوى ، و ما أن يسمعوا عن زلزال أصاب دولة مجاورة الا و تقام الاستعدادات الاحترازية على قدمٍ و ساق ، فاليابانيين يؤمنون بالقول المأثور لديهم لعالم الفيزياء الياباني الشهير توراهيكو تورادا الذي عاصر أسوأ الزلازل التي شهدتها اليابان في القرن العشرين: (( إن الكوارث تقع دائما عندما تقل توقعات حدوثها إلي الحد الأدنى )) ، و نحن في جدة لم نتوقع و لا حتى نستفد من تجارب غيرنا حيال هذا الأمر ، بل انتظرنا أن نقع في الحفرة ، و حتى عندما وقعنا بها لم نتعض من هذا الدرس المؤلم ، بل انتظرنا وقوعنا فيها مرةً أخرى !!.. و عجبي هل يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين ؟!
أعتقد أن الحكمة الإلهية هنا لعبت الدور الأكبر في أن تنال اليابان الحظ الأوفر في الزلازل الآسيوية ، فدولة نهضت بعد أن مُسِحَت من على الوجود بعد الهجوم الأمريكي النووي عليها في الحرب العالمية الثانية عام (1364هـ / 1945م) و الذي أستهدف مدينتي هيروشيما و ناجا زاكي ، حيث لقي أكثر من 220,000 مصرعهم في هذه الإبادة النووية الوحشية الجماعية ، و ها هي اليابان بعد أن كانت رماداً تتبوأ مكانة دولية مرموقة و تشكّل إمبراطورية اقتصادية صناعية ، و لنحمد الله أننا لم نواجه ما واجهته اليابان في تاريخها ، و إلا لما كان لنا و لا لآبائنا و لا لدولنا وجود .
حزين جداً مما حدث لليابان ، لكن دولة كهذه تعودت على التحديات ، و هي قادرة على العودة من جديد ، و ما تراجعها بعد هذه الكارثة الا تبديل مراكز ، كي تعود و تشتاق للمقدمة كما الخيل الأصيل ، فتسعى لتعانقها من جديد .
بقلم / رائد علي البغلي