[من الأرشيف] 01 أكتوبر، 2010
تكتظ أرجاء هذا الوطن المترامي الأطراف ، و الشاسع المساحة بملايين البشر ، و يشغل جزء كبير منهم كثير من الجاليات و العمالة الأجنبية ، و الذي يشكلون مزيجاً مختلفاً من الجنسيات العربية و الأجنبية ، و الديانات المتنوعة .
و كثرت الأحاديث سواءاً الشعبية في المجالس ، أو الرسمية في الصحف و عبر وسائل الإعلام المتعددة حول موضوع العمالة الأجنبية ، فما بين مؤيدٍ و معارضٍ ، و ما بين راضٍ و رافضٍ لأسباب عديدة ، تنوعت الآراء ، و تعددت المواقف . و برغم ذلك ، فحتماً لكل شخص فينا عمالة معينة ، أو جنسية محددة ، يوليهم بعض الثقة ، و يعطيهم جزء من الولاء ، و أرى أنا و الكثير يشاطرونني الرأي ، أن العمالة الفلبينية الموجودة لدينا هي من أفضل العمالات ، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق ، فهذه الجنسية تحديداً من العمال تركت إنطباعاً جيداً ، و سمعة جيدة ، و نالت رضاً اجتماعي ، و إقبالاً شعبياً في كافة الميادين .
و لا شك أن ما حَصَدَته هذه العمالة من سمعة طيبة ، و شعبية متميزة دوناً عن بقية الجاليات ، لم يأتِ من فراغ ، بل نبع من إخلاص في العمل ، و إبداع و تميز ، و التزام بالمهام ، و انضباط في المواعيد ، حيث يتضح جلياً تميزهم في أي موقع وظيفي يشغلونه ، فتجدهم في المستشفيات و المطاعم و الكوفي شوبز و ورش السيارات و ورش الأجهزة الإلكترونية و المطابع و المصانع و الكثير الكثير من المجالات المتعددة ، و تراهم سعداء بأعمالهم ، و يؤدونها بحب و إخلاص ، و نلمس ذلك من خلال تعاملهم مع الجمهور ، حيث نرى المقومات العملية الجميلة التي يتميزون بها هم دوناً عن بقية العمالة الأخرى و هي : (( الابتسامة ، الترحيب ، العرض اللبق للخدمة ، تقديم الخدمة ، السؤال عن أي خدمة أخرى يمكن تقديمها ، و أخيراً التوديع )) ، فوجودهم في الأماكن التي تتطلب البروتكول و الإتيكيت كالمطاعم و الكوفي شوبز و الفنادق أمر مهم جداً ، لأن هذا الشعب يعي أهمية الخدمة الجيدة المقرونة بالتعامل الراقي مع العميل ، و نرى حضورهم واضح في محلات الورد و الهدايا التي تحتاج مقومات أساسية أيضاً فيمن يعمل بها ، و أبرزها الذوق و القدرة على التنسيق الجذاب و الابتكار الملفت و التغليف المتقن ، بعكس بعض العمالات الأخرى التي لا نود تسميتها ، و التي تفتقر لأبسط أبجديات النظافة ، و الأسلوب الجيد ، و الهندام المنظم ، إضافة إلى افتقارها للاحترافية في أداء العمل ، و قد يصل بهم الأمر إلى الغش و التدليس لافتقارهم في الأساس لمبادئ شرف المهنة ، و الإعداد العملي المبكر .
أيضاً لهذه الجالية – أي الفلبينية - توجهات معينة ، و سياسة متفق عليها من قبلهم ، ينفردون بها دوماً عن بقية العمالة الأخرى ، و أحترمها أنا كثيراً ، فعلى الرغم من زهادة رواتبهم ، إلا أنهم يعيشون في مستوى ترفيهي و نطاق تَرَفي لا يستطيعون التنازل عنه ، فنجدهم يقتنون أحدث الأجهزة الإلكترونية فور طرحها في الأسواق ، و يلبسون أرقى و أغلى الماركات ، و قلما يوجد شخص فيهم ليس لديه بطاقة ائتمانية واحدة على الأقل .
كل ما سبق أمور أغلبنا أو كلنا يعرفها عن هذه العمالة ، و لكن بحكم عملي البنكي ، و احتكاكي بالعملاء بمختلف جنسياتهم و من ضمنهم الفلبينية ، زاد تقديري و احترامي لهذه العمالة ، فلمست فيهم التنظيم و الدقة ، فعندما يكون لأي منهم أي التزام مالي للبنك يستوجب السداد شهرياً ، تجدهم يأتون للسداد قبل الموعد المحدد ، بينما العرب يتخلف شهرين أو ثلاثة و من ثم يسدد شهر ، و تجده يتذمر و يرمي بالتهم جزافاً عندما يتم احتساب عمولة تأخير عليه . أيضاً حتى في طريقة سدادهم أرى غاية الدقة ، فعندما يريد سداد قسط أو فاتورة و مبلغها على سبيل المثال : 173 ريالاً ، يُقدم المبلغ بالضبط دون زيادة أو نقصان ، و يوفر علينا مسألة إرجاع الباقي إليه ، و حتى في طريقة تعبئتهم لقسيمة السداد ، تجدها بخط جميل و منظم و بدون أي شطب أو تعديل ، و لا نتعب معهم بكثرة التوجيهات التي نمليها عليهم بخصوص طريقة تعبئة القسيمة كما العرب و بعض الجنسيات الآسيوية الأخرى ، بل تجده يأتي لشباك الصرف و خانات القسيمة كلها مكتملة ، ويحرصون على تطبيق النظام ، فلا يأتي إلى كرسي أو شباك الخدمة الا حين مشاهدة رقم انتظاره ظاهراً على الشاشة ، و العرب و بعض الجنسيات الأخرى يأتوننا بقسائم السداد و تضطر لإرجاعه أكثر من مرة إما لخطأ في تعبئة القسيمة أو لعدم اكتمال البيانات أو لإتيانه في غير دوره أو لعدم اكتمال المبلغ أو لنسيانه الهوية أو لعدم معرفته رقم السداد الذي يستوجب السداد عليه ، و القائمة تطول .
لا أُزَكّي الفلبينيين عن غيرهم من العمالة من حيث افتعال المشاكل ، فحتماً تصدر من بعضهم سلوكيات خارجة ، لكن بمقارنتهم مع غيرهم ، فحتماً سنجدهم الأفضل ، و إن كان لديهم سلبيات ، ففي المقابل لديهم إيجابيات كثيرة ، و من استقدموا خادمات من جنسيات متعددة من ضمنها الفلبينية بالتأكيد لمسوا الفرق من حيث التعامل و الرقي و اللباقة ، فلاشك أن الفلبين استفادت من الاحتلال الإسباني و البريطاني و الأمريكي لها قبل أكثر من مائة سنة ، فثقافتهم مزيج بين الثقافة الشرقية و الغربية ، حيث تعرض الفلبين ثقافات موجودة في دول آسيوية أخرى كتراث الملايو ، لكنها أيضاً تُظهر التأثر بالثقافات الإسبانية و الأمريكية .
التعليم في الفلبين :
طبقاً للمكتب الوطني للإحصاء ، معدل محو الأمية بلغ 93.4 ٪ لعام 2003 و يتساوى في ذلك الذكور والإناث ، ويبلغ الانفاق على التعليم حوالي 2.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لوزارة التربية والتعليم ، و يوجد 42,152 مدرسة ابتدائية و 8,455 مدرسة ثانوية مسجلة للعام الدراسي 2006-2007. في حين أن لجنة التعليم العالي تذكر وجود 2060 معهداً للتعليم العالي ، 537 منها عام والخاص 1523. يحدد قانون الجمهورية إطار التعليم الأساسي في الفلبين ، وينص على التعليم الابتدائي الإلزامي والتعليم المجاني في المدارس الثانوية ، والتعليم العالي في جمهورية الفلبين متقدم بشكل ملحوظ ، و خصوصاً في المجال الصحي ، حيث أن درجة البكالوريوس في التمريض و الأشعة و العلاج الطبيعي و المختبر تُمنح منذ أكثر من ستين سنة ، بينما في السعودية تم استحداث درجة البكالوريوس في هذه التخصصات في السنوات القليلة الماضية ، و فارق الخبرة الكبيرة في المجال الصحي ولاشك يصب في صالح أبناء الجلدة الفلبينية ، و هذا سبب إقبال دول الشرق الأوسط و الخليج على الممرضات الفلبينيات ، و كذلك أمريكا و دول أوروبا كبريطانيا و ايرلندا . و ما يميزهم أيضاً كعمالة هو تحدثهم اللغة الإنجليزية ، في حين أن كثير من العمالات لدينا تشعر أنك تورطت في حال شروعك بالحديث معه لجهله اللغة العربية و الإنجليزية ، ففي الفلبين أكثر من 171 لغة ، و يُقِرّ الدستور الفلبيني لغتين أساسيتين هما : الفلبينية و الإنجليزية ، حيث تستخدمان في التعليم و الصحة و الصحافة و الإذاعة و التعاملات التجارية ، و يُعتَرَف بالإسبانية و العربية كلغات اختيارية .
يُقدّر عدد سكان الفلبين بنحو 92 مليون نسمة ، حيث تحتل بهذا العدد المركز 12 على العالم من حيث تعداد السكان ، و يوجد 11 مليون مغترب فلبيني حول العالم ، من بينهم أكثر من 2 مليون يعملون في الشرق الأوسط ، نصفهم – أي أكثر من مليون فلبيني و فلبينية – يعملون في السعودية ، و لا نستغرب هذا الرقم الضخم من العمالة الفلبينية لدينا ، فكثير من الأماكن و المنظمات التي نرتادها تشهد حضوراً ملفتاً للعمالة الفلبينية و على رأسها المستشفيات و القطاعات الإلكترونية ، فلا نتخيل أي قطاع صحي دون تواجد الوجوه أو اللمسات الفلبينية. حقيقةً من ضمن أسباب إعجابي أيضاً بهذا الشعب المناضل هو تكافئ الفرص و القدرات بين الرجل و المرأة ، فنجد الممرض الفلبيني و بجانبه الممرضة الفلبينية ، و إذا سافرنا إلى دول الخليج المجاورة كالبحرين و قطر ، و قررنا الجلوس في كوفي شوب ، نجد العامل و العاملة الفلبينيين يقومون بنفس الأدوار على حدٍ سواء ، و لا يتفرد الرجل بمهام أو مجهود أكثر من زميلته المرأة ، فنراهم متساويان في كل شيء موكل إليهما ، و حتى في زي العمل نراه موحّد الشكل و اللون . يبقى للإعداد المبكر منذ الصفوف الأولية الدور الأكبر في تميز العمالة الفلبينية عما سواهم ، فالحكومة الفلبينية تولي هذا الجانب – أي الإعداد المبكر – اهتماماً بالغاً ، حتى تحصل على مخرجات بشرية ، و طاقات عاملة كفئة و فعالة .
بعد كل ما سردته من مواقف و بيانات و إحصائيات عن هذا الشعب المميز ، ألا يستحق فعلاً من باب تقدير المناضلين و المكافحين و المبدعين أن أفرد لهم مقالاً مستقلاً أسلط فيه الضوء على جانب يسير مما يدخرونه من طاقة و فكر و إخلاص و تميز ؟!.. فعلاً أحترم هذا الشعب الآسيوي ، لأنهم فعلاً فرضوا علينا احترامهم ، لاحترامهم أنفسهم و عملهم و من يتعاملون معهم من بشر ، فتحية تقدير و إعجاب للشعب الفلبيني .
بقلم / رائد علي البغلي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق