[من الأرشيف]- - 15 فبراير، 2011
كل بيت يعج بالفتيات يكون أهله في حالة ترقب دائم لكل زيارة مفاجأة ، و كل زيارة قد تكون مثار تساءلٍ و جدلٍ عن أسبابها و ما هو الهدف منها ، و قد تطابق إحدى الزيارات لأحد البيوت آمال أصحابه و تعانق أمانيهم كونها لهدف رؤية العازبات فيه و المنتظرات للنصيب الذي سيكون بمثابة جواز السفر من هذا البيت إلى عالم الزوجية الذي يعج بالأحلام و الأمنيات و تغلفه الخصوصية و الكينونة ، و تكتسيه المحبة و السعادة ، و ما أن يفصح الزائرون عن نواياهم ، و يكشّرون عن أهدافهم من الزيارة ، الا و ستتعالى الزغاريد ، و ستنبثق كل أنواع البهجة و السرور على ظواهر و بواطن أصحاب هذا البيت لشعورهم أن هناك زهرة من زهور هذا البيت سوف يقطفها من سيرعاها و يصونها و يشاركها تكوين الأسرة و الإنجاب و الانخراط في رحلة الحياة الطويلة بحلوها و مرّها ، و بعد أن تمر بضعة أيام على هذه الزيارة السعيدة لهذا البيت و التي أرجفت قلوب ساكنيه طرباً و سروراً ، الا و سرعان ما سيدخلون في الحسابات الكثيرة التي تسبق كل مشروع زواج ، و سوف تضيع الفتاة و أهلها في دوامة التساؤلات الكثيرة حول العريس و أهله ، و لعل أهمها السؤال عن العريس لمعرفة ماهيته و سلوكياته و توجهاته ، هل هو العريس المناسب ؟! و هل أهله الأنساب المناسبين ؟! .. هل سيوافق تطلعاتهم أو سيتسبب لهم و لها على وجه الخصوص بصدمة قد تدوم طويلاً لارتباطها فيه ؟!.. ماذا لو تمت الزيجة و اكتشفت الزوجة سلوكيات منحرفة في زوجها لم تكن تعلم عنها قبل الزواج ؟!.. ماذا لو اكتشفت أنه يعاني مشكلة صحية عضوية أو نفسية لم يفصح عنها قبل الزواج ؟!
السؤال و التحري عن أي شخص بحد ذاته يشكّل مشكلة عظمى ، حتى قبل الوقوع في مشكلة سلوكياته المنحرفة التي سوف تظهر بعد الزواج ، و السبب أن السؤال عن أي شخص سوف ينحصر في أطراف محددين و هم أقربائه المباشرين (( أب ، أم ، أخ ، أخت ، عم ، عمة ، خال ، خاله )) و غير المباشرين (( ابن العم ، ابن الخال ، ابن العمة ، ابن الخالة أو ما شابه )) ، أو أصدقائه المقربين الذي يعرفون عنه أكثر مما يعرفه أقربائه المباشرين و غير المباشرين ، و المشكلة الدائمة الوقوع في مجتمعنا المنغلق تحديداً هي أننا نعول الكثير على السؤال ، و نعتبر الاستفتاء الذي سوف نقيمه عن العريس المتقدم هو الأساس ، و عليه تقترن الموافقة من عدمها .
و السؤال في وجهة نظري غير كافٍ و السبب أن نفعه ليس بالكبير على الحالة المترتب عليها هذا السؤال ، فإن سُئل أهل الشاب فالتزكية مضمونة 100 % ، و إن سُئل أصدقاء الشاب فالتزكية أكثر ضماناً حتى و إن كانوا يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذه التزكية في غير محلها ، لكن هذا هو طابع مجتمعنا العاطفي و الذي تغلب عليه النظرة النرجسية في معظم الأمور و دائماً ما تجرنا هذه النظرة إلى عالم السذاجة و تعجل بوقوع المكروه قبل حينه في بعض الأحيان ، و تجرنا إلى مالا يُحمد عقباه في أحيان كثيرة .
قد لا يكون القصد من التزكية للشاب الغش أو التدليس بقدر ما يكون الهدف منها عدم التسبب في إبطال هذا الاقتران أو التزاوج عطفاً على نسبة العنوسة المرتفعة في المجتمعات العربية ، و دائماً نسمع عبارة (( ما نبي نقطع نصيب )) في مجتمعنا الاحسائي تحديداً ، و لا يعلم من يتفوّه بهذه العبارة أن نظرته لم تتعدى مسافة ظله ، أي بضعة أمتار فقط ، و لو كان هذا الشخص ينظر لبعد أميال لفكر أن قطع النصيب في البداية و الناس على البر (( حسب تعبير الإخوة المصريين )) أفضل من قطعه بعد تشربك الطرفين و ما يتبع لهما من أقارب و تفجر بركان المشاكل و الدخول في قضايا الخلع و المحاكم ، و تشرد الأطفال إن وجدوا ، و في النهاية إن تم الطلاق سوف توصم الفتاة بالمطلقة و الشاب بالمطلق ، و سوف يعيش الأطفال عيشة تشرد و ضياع بين أبوين منفصلين ، بينما لو وُجِد الشخص الحكيم الذي لو سُئِل قبل أن تقع الفأس في الرأس لَكَشف عيوب الشخص المتقدم للخطبة ، فإنه حتى لو وقع عليه أقسى أنواع اللوم و العتب في بداية الأمر من الأقارب ، ففي نهاية الأمر سوف يدركون حجم المعروف الذي أسداه لهم هذا الشخص الذي لم تأخذه في الحق لومة لائم ، و أدلى بما يمليه عليه ضميره و دينه و وقف حائلاً دون وقوع مأساة أسرية جديدة تضاف لسجل المآسي الاجتماعية الكثيرة الذي يعج بمثل هذه القضايا ، و سوف يشكرونه و يدعون له بعد سماعهم لو صدفة مستقبلاً عن أي شيء من عيوب هذا الشخص الذي تقدم لابنتهم يوماً ، و حينها أنقذهم هذا الشخص بشهادته الحق التي جاءت لتعمّ بها مصلحة كل الأطراف ، لأنه رأى أن الانفصال واقع لا محالة في ظل المعطيات المتاحة ، فلِمَ يكون الانفصال بعد الاقتران و بالتالي يترتب عليه الخسائر المادية و النفسية و المشاكل التي لا حصر لها و تولُّد العداوة و البغضاء ؟! فهذا فعلاً من لم يتسبب بقطع النصيب ، لأنه رأى عدم جدوى الاقتران من الأساس بين الطرفين لعدم التكافؤ لأي سبب كان ، و ليس فقط الانحراف الشاب أو انحلال سلوكياته ، فللأسف النظرة العظمى للمجتمع محصورة في سلوكيات الشاب و أخلاقياته ، و كأن هذا هو مصدر الخطر الوحيد الذي ما إن نجتازه إلا و قد وصلنا إلى برّ الأمان ، و هذا خطأ آخر في التحليل ، فأسباب الانفصال التي قد تقع بعد الزواج كثيرة بخلاف الإنحراف الخلقي ، منها :
1- عدم القدرة الإنجاب .
2- اكتشاف عدم الوفاق الفكري مما يؤدي إلى الخلافات المستمرة .
3- اكتشاف وجود مرض عضوي أو وراثي أو نفسي لم يتم الإفصاح عنه سلفاً قبل الارتباط مما يؤدي إلى عدم توافق من جانب ، و عدم ارتياح من جانب آخر كون أحد الطرفين شعر بعدم مصداقية الطرف الآخر لإخفائه أمر هام يفترض كشفة قبل الشروع في العلاقة الزوجية ، فالفحص قبل الزواج مهم للحد من الوقوع في مثل هذه المشاكل .
4- تدخل الأهل في خصوصيات الزوجين .
5- الفوارق الكثيرة الاجتماعية و المادية و غيرها.
طبعاً ما سبق ذكره من نقاط ممكن أن يصدر من الزوج أو الزوجة على حدٍ سواء ، و ليس حكراً على الزواج وحده ، فالخلل موجود ، لكن أين مكتشف الخلل ؟!.. و إن وُجِد المكتشف ، أين مُعالج الخلل بحكمة ؟!
بقلم / رائد علي البغلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق