[ من الأرشيف ] - 17 أبريل، 2011
أحمد الله كثيراً ، و أثني على فضله ، بأن لم يجعلني رئيساً أو وزيراً أو ذا منصبٍ سياسيٍ رفيع ، ليس انتقاصاً أو قدحاً في هذه الطبقات ، و لكنه تنصّلاً و انكفاءً عن المسئولية التي تثقل الكاهل و تحدب الظهر ، فلا أحب فلاشات و أضواء السلطة الخاطفة للأبصار ، و لا زينة قصورها التي تثير الخوف في نفسي كلما شاهدت ترَفها في التلفاز ، و رَمَقَت عيني تلك التحف الثمينة ، و الآثار الباهظة ، و الثريَّات النفيسة المنتشرة في أركانها هنا و هناك ، و على جدرانها و في أسقفها ، و التي أخشى مجرد التفكير في لمسها لمجرد اللمس ، حتى لا تقع مني عفوا و تقع معها الطامة !!
لا أهوى السلطة ، و لا أحبذ العيش في كنفها ، و لا الحبو على بلاطها ، و لا المشي على سجادها الأحمر الفاخر ، ولا الخروج مع حاشيتها الذين أفارق ظلي عند المغيب و لا أفارقهم ، و لا الخضوع لطوق حراستها ، و لا السير بسيارة فارهة يقودها أحدهم ، و تتبعها مئات السيارات ، و لا الجلوس في المقصورات الرئيسية ، و لا التربُّع على موائد مدادها أمتارٌ دون أن أمَسَّها .
أعشق التلقائية و العفوية ، و أعشق الخروج متى ما أردت ، و مع مَنْ أحببت ، و أكره أن يُملي علَيَّ أي منصبٍ بروتوكول معين ، أو بريستيج مقنن ، كما أكره الالتزام بجداول المؤتمرات و المراسم أياً كان نوعها ، و لا أحب السفريات المفاجأة التي تسهم في ارباكي و توتري ، و لا أحب أن يحمل عني أحداً أغراضي و مقتنياتي الشخصية و يفتحها و يعبث بها و هو من يقوم بتعليقها و ترتيبها .
أكره السلطة و النفوذ لأنني لا أضمن ما سوف أغدو إليه ، و ما سوف أكون عليه حينها ، ليست عدم ثقة بالنفس بقدر ماهي عدم ضمان نوعية البيئة العملية التي سوف أُركَنُ إليها ، فلا أريد أن أَزِرَ وِزرَ أحدٍ ، و اتسبب في ايقاع ظلمٍ عليه ، سواءٌ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ ، أو بقصدٍ أم بغير قصدٍ .
هناك سؤالٌ تبادر إلى ذهني مراراً ، و أجزم أنه تبادر إلى ذهن الكثيرين غيري ، و هو :
ماذا لو كُنتُ مسئولاً ؟!.. ماذا سأفعل ؟!
و من المؤكد و عطفاً على الظروف السياسية الراهنة أن الإجابات كلها ستصب في مجرى سيادة العدل و نصب القسط و إحقاق الحق و رفع الظلم ، و هذه الأهداف بالاستناد إلى الفطرة البشرية الطيبة ، فلا أحد يولد شريراً أو مجرماً أو لصاً ، فالكل نَعِم ببراءة الطفولة ، لكنها البيئة التي تُكَوّن البشر مثل العجينة ، و تُلَوّن سلوكياتهم بألوانها المتعددة و المتدرجة .
هناك أمرٌ هام لا يجب إغفاله ، و يجب التغلغل فيه ، وهو أن ليس بالضرورة أن يكون كل من يمسك زمام السلطة فاسداً أو عديم ذمةٍ و ضمير ، بل أن كثير ممن اعتلوا هرم السلطة كانت لهم مخططات إيجابية كثيرة ، و كانوا ينوون الإصلاحات ، و إقامة المشاريع التحسينية ، لكنهم اصطدموا بصخرة الواقع الصلبة ، و لم يستطيعوا تنفيذ حتى 10% مما كانوا ينوون تنفيذه ، لأن النظر للسلطة عن بُعد شيء ، و الاقتراب منها و مقارعتها شيء مختلف تماماً ، فكثيرٌ من الأشياء نراها وردية عندما تفصلنا عنها المسافة ، و ما إن نقترب منها إلا و نجدها سوداوية معتمة. فلا تخلو قائمة المسئولين ممن يضمرون الخير ، و تهمهم مصلحة الأوطان ، و دفع عجلة التنمية الاجتماعية للأمام ، لكن هناك تيارات مضادة لهم من أصحاب المصالح الشخصية التي تتعارض مصالحهم مع المصلحة العامة ، و هناك من يضع العصى داخل هذه العجلة كي يوقف دورانها . و في الضفة الأخرى ، هناك من يطلق الوعود ، و يمني الناس بالأماني ، و يجعلهم يطيرون محلقين بين الغيوم و مع العصافير من أجل معانقة الأحلام التي نسجها لهم هذا الشخص بوعوده ، و ما أن ينال أصواتهم الانتخابية و ينجح ، إلا و تتبخر وعوده و تذهب أدراج الرياح ، و يتغير بتأثير السلطة و انتقاله لعالمها الجديد المغاير تماماً عن عالمه السابق .
من سيستغل السلطة لأهداف شخصية خبيثة يترتب عليها ظلم العباد ، يجب أن يعي أنه بدأ بظلم نفسه التي سيلحقها ظلماً أشد من الآخرين ، فظلم الناس قد يعوضهم الله عنه في الدنيا أو الآخرة لصبرهم و احتسابهم ، و لكن ظلمه لنفسه من سيعوضه إياه ؟!.. و لنا في التاريخ المطموس أشد العِبَر فيمن ظلموا أنفسهم و نالوا ما يستحقون من القدح و اللعن و التنكيل ، و لكن ما أكثر العِبَر و ما أقل المُعتبرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق