الأحد، 24 يوليو 2011

في حضرة التكنولوجيا الحديثة .. العقل في إجازة مفتوحة !!




[ من الأرشيف ]  05 أغسطس، 2010

في ظل الثورة التقنية و المعلوماتية ، و في ظل إتساع دائرة الإتصالات ، لا شك أن الصعوبات قد ذُلِلَت ، و جُعِلت الحياة أسهل من ذي قبل ، و تنعّم البشر بعيشةٍ مُترَفةٍ و مُرَفّهَةٍ ، قليلة العناء ، و زهيدة التعب .
أصبح العالم بيت صغير مليء بالغرف ، فأتحدث إلى فلان من الناس و أراه و يراني و هو في أقاصي الشرق أوالغرب ، و كأننا في بيت واحد ، و أستطيع مكالمته أو إرسال رسالة إليه في وقت لا يكاد يُذكر .

حضور التكنولوجيا لافت و فعّال ، و أصبحت كل القطاعات العملية و العلمية و حتى الاجتماعية لا تكاد تخلو من التدخل التكنولوجي . فالمستشفيات و المؤسسات و الشركات و البنوك و الدوائر الحكومية و الأسواق المركزية و الجمعيات الخيرية لا تستطيع الوقوف على قدميها إلا بالاستعانة بعُكّاز الدعم التقني ، فنجد في كل أرجاء ما سبق من منظمات الحواسيب و الطابعات و أجهزة التفتيش الأمني و الأبواب الإلكترونية و أجهزة الأشعة و التحاليل و آلات العدّ الإلكتروني و الشبكات التقنية و أجهزة الاتصالات المتقدمة و ما إلى ذلك من احتياجات تقنية ، إذ أن الكثير من الأعمال و المهام أصبحت متوقفة على الدعم الإلكتروني ، و لا يستطيع القائمين عليها إنجازها بدون هذا الدعم .

و حتى المنازل أصبحت لا تستغني عن الحواسيب ، فبعدما كان توفر الحاسوب في المنزل أمر ليس بذي أهمية ، جاءت بعدها حِقْبة أخرى تستدعي وجود حاسب آلي واحد على الأقل في المنزل ، و الحِقْبة التي تليها دعت إلى وجود حاسب آلي في كل غرفة في المنزل ، و حُقْبتنا الحالية نصّت على وجود حاسب آلي و جهاز محمول لدى كل شخص ، أضف إلى ذلك اقتناء الهواتف المحمولة باختلاف أجيالها على مدى السنين المنصرمة ، فبعدما كانت أجهزة Nokia هي سيّدة السوق ، و هي التي تتربع على قمة هرمه ، جاءت بعدها أجهزة الـBlack Berry و الـ iphone ، كي تُعلن بداية جيل جديد من أجهزة الهواتف المتنقلة يحمل مزايا و خدمات متطورة و خارقة ، و تُعلن أنها بدأت من حيث انتهت شركة Nokia ، مطلقة بذلك سِجالاً تقنياً متقدماً على صعيد الهواتف المتحركة ، و لكن يبدو أن الـ iphone كسب السِجال ، لأن الـ Black Berry يحتضر في الأسواق الخليجية تحديداً و بعض الأسواق العالمية ، و سوف توافيه المنية عاجلاً و ليس آجل بسبب اتفاق حكومي من بعض الدول الخليجية و العالمية يفيد بقرار منع نسبة كبيرة من الخدمات التي يقدمها هذا المشغّل بسبب الخصوصية المفرطة و السرية المعتمة التي يتحلى بها ، و الذي يحول دون الكشف عما يتم تبادله من معلومات و مواد ، مما دعا بالحكومات للدخول في نوبة قلق مما قد يتم تبادله بين المشتركين في هذا المشغّل ، و قد ينعكس على الناحية الأمنية في بلدانها .
طبعاً ما سبق كان مقدمة مُسْهِبة للدخول في الغاية المنشودة من هذا المقال ، فقد اتفقنا سلفاً أن التقنية أصبحت جزءاً لا يتجزء من حياة الإنسان و نشاطاته على كافة الأصعدة ، و المقدمة السابقة عززت ذلك و دللت عليه ، و لكن .. يتبادر إلى ذهني سؤال أود طرحه هنا : في ظل حضور التكنولوجيا المتقدمة ، ألم يَغِب العقل البشري ، أو على الأقل غابت أجزاء كثيرة منه ؟!.. ألم تحل التقنية الحديثة محل العقل و تنتهك حرماته و خصوصياته ؟.. ألم تحجر التقنية (( الوليدة )) على العقل (( الوالد )) كما يحجر الابن العاق على أبوه ؟.. و سوف أعرض لكم هنا لوحات حية و أمثلة واقعية من الحياة اليومية :
1- كنا قبل عقدين من الزمن تقريباً نحفظ أرقام الهواتف المهمة لدينا عن ظهر قلب ، أو إذا كانت الأرقام كثيرة لدينا ، كنا ندونها في دفتر صغير يطلق عليه (( دفتر أرقام الهاتف )) و يُحمَل في الجيب ، و لكن الآن بالكاد الشخص فينا يحفظ رقم هاتفه المتنقل و رقم هاتف المنزل ، أيضاً كنا نحفظ الأرقام السرية الخاصة بالبنوك و المواقع الإلكترونية ، و الآن قلة قليلة من يحفظونها دماغياً ، و حل الهاتف المحمول بديلاً عن العقل بحفظ كل الأرقام فيه .
2- كنا كذلك نحفظ مواعيدنا الرسمية الهامة ، كمواعيد المستشفيات و مواعيد المقابلات الشخصية الوظيفية ، و لكن الآن أيضاً أخذ الهاتف المحمول و المفكرة الإلكترونية مكان العقل البشري في هذا الموضوع .

3- على صعيد الشركات و البنوك ، و تحديداً في الحسابات و التسجيل و الترحيل و التدقيق ، كانت القيود المحاسبية تُسجّل دفترياً في شكل قيود يومية ، و من ثم يتم ترحيلها إلى دفتر يُطلق عليه (( دفتر الأستاذ )) ، ثم تسجل في ميزان المراجعة حتى تنتهي الدورة المحاسبية ، و كان أمر الشطب أو التعديل سهلاً ، لكن الآن و بعد إحلال النظام الإلكتروني ، أصبحت إمكانية التعديل صعبة في أحيان كثيرة ، و حضور الآلة أصبح على حساب تقليص الأيدي العاملة البشرية و قطع أرزاقهم .
4- كان حفظ جدول الضرب من الأساسيات ، و عندما كنت في المرحلة المتوسطة ، أتذكر أستاذ الرياضيات الذي كان يطلب منِّا حفظه عن ظهر قلب و يختبرنا فيه شفهياً بشكل يومي ، و كنا فعلاً نحفظه لأهميته و لأنه يساعدنا في الحياة العادية ، و لكن الآلة الحاسبة أزاحت العقل هنا أيضاً و حلت محله ، مُمَددةً الإجازة المفتوحة التي مُنحت للعقل في مجالات كثيرة ، و صارت أجهزة الهاتف المحمول مزودة بالحاسبة أيضاً .

5- التكنولوجيا لم تُرِح الإنسان و حسب ، بل ساهمت في القضاء على حركته اليومية المعتادة ، و أثمرت عن خمول و كسل ، فقد كنا في بيوتنا نقوم كي نشغّل الأجهزة المنزلية المحيطة بنا ، و الآن أصبحت كلها تعمل عن بُعد ، فجهاز التكييف ، و جهاز التلفزيون ، و جهاز تشغيل الإسطوانات المدمجة يعملون بالريموت و جهاز الفيديو (( المنقرض )) كان يعمل بالريموت هو الآخر ، و الصحون أصبحت تُغسَل آلياً ، و الملابس تُغسَل و تُكوى آلياً ، و الهاتف الثابت أصبح لا سلكي و يأتينا حيث نكون في المنزل ، و باب الكراج المنزلي أصبح يُفتح و يُغلق بالريموت أيضاً ، و السيارة أصبحت تُشغّل بالريموت .

6- في وقت من الأوقات كانت وسيلة الاتصال الوحيدة التي تربطنا بأي شخص هو الهاتف الثابت (( الأرضي )) ، و إن لم يتواجد هذا الشخص على الرقم الثابت المطلوب عليه يصعب البحث عنه ، أما الآن و مع وجود اختراع يُدعى (( الهاتف المحمول )) فأصبح من السهل إيجاد أي شخص ، ولاسيما في ظل امتلاك كل شخص لأكثر من هاتف محمول بأكثر من رقم ، ناهيك عن وجود أكثر من بريد إلكتروني لكل شخص ، و أكثر من عضوية في المنتديات و عضوية أو أكثر في الـ facebook ، و بذلك تتعدد أرقام الهواتف و يرتفع معدل الاتصالات ، و تزيد العضويات و تكثر الأرقام السرية الواجبة الحفظ و تكثر الإيميلات و الرسائل ، قد ينظر البعض لهذه النقطة من ناحية إيجابية ، و لكنها سلاح ذو حدين . فقد أصبح الإنسان قليل التحرر ، و أصبح صعبٌ عليه الاختلاء بنفسه و التفكير و التأمل بهدوء و سكينة في ظل ارتباطه بالعالم الخارجي المحيط ، و في ظل الضوضاء الإلكترونية المُخترِقة لكل شيء ، حتى و إن كان الإنسان على سفر .

أرجو ألا يُفهم من حديثي أنني ضد التطور التقني ، و ضد رفاهية الإنسان ، و لكن المغزى من كتابتي لهذا الموضوع أنني أشعر أن الإنسان أصبح مكبّل اليدين و الرجلين بحبال الثورة التكنولوجية ، و أصبحت وظائف العقل تتلاشى شيئاً فشيئاً كلما دُفعت عجلة التنمية التكنولوجية للأمام ، فثمة علاقة عكسية بين الإنسان و وأدواره و وظائف عقله ، و بين التقدم التكنولوجي . فهل سيأتي اليوم الذي سوف تُقصي فيه الآلة الإنسان و تحل محله كلياً ؟!.. أم مهما تقدمت الآلة فستبقى رهن سيدها و مطورها الرئيسي و هو الإنسان ؟!
بقلم / رائد علي البغلي .


أخماسٌ بأسداس !!



[ من الأرشيف ]

27 يوليو، 2010


 
كثيرةٌ هي المواقف التي قد تستوقفنا في حياتنا الاجتماعية اليومية ، و التي قد تؤثر في توجهاتنا و مجريات الأمور لدينا ، و كثيرةٌ هي الأحداث التي قد تروق لنا و كثيرة أيضاً التي قد ننبذها و نحاول إقصائها حتى لو كان هذا الأمر أشبه بالمستحيل ، و ما أكره شق الصفوف و زعزعة الألفة و شتات الجموع .

عندما نتأمل قضية العنصرية التي لا زالت (( و للأسف )) تجري في دم البعض جريان الدم في الوريد ، و لا زالت تؤثر في الرتم الحياتي العام لمجتمعاتنا و تفتك بالعلاقات الشخصية الجميلة ، نضرب أخماساً بأسداس على حال أمتنا المؤسف . فهناك من يبحث عن الاختلاف لمجرد الاختلاف ، لا لهدفٍ ينشده أو غاية يود تحقيقها .

 
إن المحاور التي ترتكز عليها العنصرية كثيرة لدينا ، و تبرز بعضها على حساب البعض حسب الوقائع و الأحداث المحيطة ، و أبرزها : (( الطائفية )) و هي القائمة على اختلاف العقيدة و المذهب ، و (( العرقية )) و هي القائمة على اختلاف اللون ، و (( الإقليمية )) و هي القائمة على اختلاف الإقليم أو الدولة ، (( القبلية )) و هي القائمة على الانتماء لقبيلة معينة . و من الصعب جداً أن تتفق مع أي شخص في كل ما سبق من محاور ، و ثمة اختلاف في أي منها قد يؤدي إلى نشوب صراع نفسي كبير ، و إن فتحت الباب ، سوف تدخل في مدٍ و جزر ، و حلٍ و ترحال غير منتهين .

أتفق مع سماحة الشيخ حسن الصفار عندما يطالب بإبقاء كل ما يدعو للخلاف داخل الصدور ، و إفشاء السلام و المعاملة الحسنة من أجل التعايش و تقريب وجهات النظر ، و دائماً ما أدعو أنا شخصياً لنبذ أي شيء يدعو للفرقة و التباين ، و أطالب أن نتعامل مع بعضنا بمبدأ إنساني بحت بعيد كل البعد عن أي عنصرية من أي نوع . ألا تكفي الإنسانية وحدها لإذابة جليد أي اختلاف صغر أم كبر ؟!.. فنحن أياً كانت معتقداتنا أو أعراقنا أو أشكالنا أو ثقافاتنا أو أقاليمنا ، نبقى أبناء الدين الواحد ، و أبناء الوطن الواحد ، و أبناء اللغة الواحدة ، و أبناء الزيّ الواحد ، و أبناء الهوية الواحدة ، فلمَ دائماً ننظر لمَواطن الاختلاف كي نشقى ، و لا ننظر لمَواطن الاتفاق كي نرتاح ؟ّ!.. لمَ دائماً نبحث بحثاً دءوبا عن التنازع و التصارع و لا نبحث لو بحثاً بسيطا عن التصافي و التسامح ؟!.. لمَ نضع جُل إهتمامنا في التنقيب عن عيوب و أخطاء الطرف الآخر ، و لا نعير حسناته و إبداعاته أي إهتمام ؟!.. لمَ التركيز على الجزء الفارغ من الكوب و إهمال الجزء الممتلئ الذي هو الأهم ؟!

هناك من يحاول استغلال الأمور العامة لمصالحه الخاصة بزرع الفتن و دَسّ السم في العسل ، و هناك من لديه خلط و مزج في الأمور ، فيضع حواجز العنصرية داخل نطاق العمل ، أو هناك من تكون لديه السلطة و يجعل الأولوية في إعطاء أي فرصة لمن يتفق معه في أي محور من محاور العنصرية السالفة الذكر ، و يحرم من هو الأكفأ و الأجدر بالفرصة فقط لأنه لا يتفق معه عنصرياً !!.. أقول هنا : (( ما هكذا يا سعد تورد الإبل )) ، و يجب أن نفصل بين أي إختلافات ناجمة عن أفكار و معتقدات جاهلية هدامة ، و بين ما يجب علينا إتباعه من أجل المحافظة على علاقات إنسانية سامية بسمو نفوس و أخلاقيات أصحابها ، مترتباً على ذلك صرف الحقوق الواجب إعطائها لمن يستحقها و الأكفأ بها بغض النظر عن إنتمائه ، و عدم إعلاء كعب فئة على فئة أخرى لأي سبب من الأسباب ، و يجب أن يكون المقياس الحقيقي هو الوطن و لا شيء سواه ، و ما دمت مواطناً فلي الحق أن أتمتع بكافة الحقوق و المزايا التي يتمتع بها غيري ، و يجب نشر الصفاء و النقاء على كافة الأصعدة سواءاً في الشارع العام أو في محيط العمل أو في كل ما قد يؤدي إلى وفاقنا برغم إختلافنا .

يحضرني الآن مشهد جميل و معبّر لحلقة في إحدى أجزاء المسلسل الكوميدي الجميل (( طاش ما طاش )) و الذي يحمل بين طياته نقد لاذع بأسلوب فكاهي جميل ، المشهد لحلقة تروي قصة دكتور في الجامعة يحمل عقلية كبيرة و لكنه مهمل في طريقة لباسه ، لدرجة أن طريقة إرتدائه للشراب تكون لكل قدم (( أعزكم الله )) لون مختلف عن الأخرى ، و حدث لَبس معين و أشيع أنه قد توفي بإقرار الأوراق الثبوتية الرسمية ، و ذات يوم أراد السفر عن طريق المطار و أستوقفه موظف الجوازات و منعه من السفر بحجة أن صاحب الجواز الذي أمامه شخص متوفي ، فحاول الدكتور أن يقنعه أن هناك لَبس في الموضوع دون أي جدوى ، و لما عجز الدكتور عن الوصول لنتيجة ، طلب من موظف الجوازات أن يقابل الضابط المسئول ، فرد عليه الموظف حرفياً : (( أنت أول إلبس شراباتك زي الناس و بعدين اطلب تقابل المسئولين )) ، فرد عليه الدكتور رد مفحم قائلاً : (( مشكلتكم دائماً تنظرون لما في الرجلين و لا تنظرون لما في داخل الرأس )).

للأسف أن هناك أشخاص مُغَيَّبي العقول ، و تركوا مهمة التفكير و إتخاذ القرار لغيرهم ، فإن قيل لهم هذه فئة كافرة كفروها ، و إن قيل لهم هذه فئة دونية أدنوها ، و إن قيل لهم هذه فئة تختلف معكم في وجهات النظر أقصوها ، دون النظر لمحتوى العقول و الثقافة ، و دون حتى البحث و التقصي عن مدى مصداقية الناقل و المنقول ، و المشكلة أنهم يتشدقون دائماً بكلام الله تعالى و كلام رسوله ، و نسوا أو تناسوا أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يحث على التسامح و الأخلاق و جمع الصفوف و تآلف المسلمين ، و قوله : (( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) خير دليل ، فبدأ بالأخلاق و لم يقل الدين ، و هذا دليل على أهميتها ، و هناك آيات قرآنية كريمة كثيرة تدعو لحسن الخلق ،من بينها قوله تعالى :{ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }[سورة آل عمران : 159 ]، و قوله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [سورة النحل : 125]
و قوله تعالى : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [سورة البقرة: 263].

ختاماً ، أسأل الله سبحانه أن يَمُنَّ على عباده بالهداية و الصلاح ، و أن يشرح الصدور ، و ينير العقول ، و يجمع الصفوف و يثبتها على الخير .


 رائد علي البغلي