السبت، 24 أغسطس 2013

فـــوبــيـــــا !! | !! Phobia




الخوف من المجهول أو مما قد يحدث أمرٌ يسكن في دواخلنا ، و لا نشعر به إلا حينما يستفزه موقف أو ظرف أو مكان أو زمان . من أمثلة الخوف من المجهول أو "الفوبيا" كما يُطلَقُ عليه :
- الخوف من الأماكن المرتفعة : وهو الذي جعل الكثير من الناس يمتنعون من ارتقاء الجبال و ناطحات السحاب و كل ما هو مرتفع .
- الخوف من ركوب الطائرات : خشية سقوطها .
 - و الخوف من ركوب السفن : خشية غرقها .
- و الخوف من ركوب المصاعد : خشية تعطلها و توقفها بركّابها .
- و الخوف من الحُقن : خشية ألمها أو خشية شكل انغراسها في الجلد.
- و الخوف من الدم حتى و إن كان زهيداً ، ربما الخوف من لونه أو من شكل سيلانه الذي قد يرتبط بالسوء أو المكروه. 
- و الخوف من الإمتحانات و المقابلات الشخصية : لأنها قد تكون متعلقة بذكريات فشل أو غيرها ، أو لمجرّد الرهاب من طقوسها العامة لأنها لحظات مفصلية في حياة الفرد.
- و الخوف من قيادة السيارة : لأنها مرتبطة بالحوادث المرورية التي قد تنجم عنها الوفيات لاسمح الله.
طبعاً الفوبيا بأنواعها إمّا أن تكون نتاج رواسب طفولة ، و نَمَت و رافقت الإنسان طيلة فترة حياته ، لأنه لم يواجهها و يحاول الخلاص منها ، أو أنها نتيجة تعبئة أو مواقف شخصية تعرّض لها الإنسان أو تعرّض لها أحد المُقرّبين له ، أو تعرّض لها أشخاص في حضوره حتى و إن كانوا لا يمتّون له بصلة  ، لأن الطبيعة البشرية تفرض على الإنسان التأثر بما يجري حوله أو أمامه حتى لو كان لا يعنيه ذلك ، و حتى إن كان هذا الأمر ليس حقيقياً . فعلى الرغم من يقين الفرد بأن ما يجري أمامه ليس حقيقياً في بعض الأحيان ، إلا أنه يندمج و يتأثر و يسرف في مشاعره الإنسانية ، و هذا ما يحدث بالضبط عندما نشاهد الأفلام السينمائية . فنجد أننا نتأثر بمشاهد السقوط من الأعلى ، أو غرق السفن أو وقوع الطائرات و نشوب الحرائق ، أو الحوادث المرورية ، أو تعطّل المصاعد ، و لاشك أن هذه الأفلام هي عنصر أساسي من عناصر التعبئة النفسية للفرد ، فالكثير من الأشخاص قاطع الطائرات و السفن و المصاعد على اثر مشاهدته للأفلام التي أعطته مسوّغاً قوياً للإمتناع.
من مظاهر "الفوبيا" التي رأيتها بنفسي و التي قد تكون غريبة و طريفة في آنٍ واحدٍ هي الخوف من الدرج أو "السير" الكهربائي الذي نراه في المجمعات التجارية. فإحدى قريباتي كانت معنا في جولة تسوّق ، و عندما أردنا الصعود للدور العلوي امتنعت عن الصعود معنا بالسير الكهربائي ، و عندما سألتها بإستغراب عن السبب ؟! اخبرتني أن عباءتها تعلّقت في هذا السير ذات مرة ، و كاد قلبها أن يتوقف من شدّة الخوف ، و من حينها و هي تتجنب الصعود بهذه المصاعد في أي مكان !!.. و هذا دليل أن "الفوبيا" قد تكون نتاج مواقف تعرضنا لها في حياتنا قد لاتستغرق إلا بضع ثوانٍ ، لكن تأثيرها قد يلازمنا ما حيينا.
أيضاً أكاد أجزم بأن الفيلم العالمي الشهير "تايتنك" و الذي شاهده الملايين حول العالم و تأثروا به قد ألقى بظلاله على جزء ليس باليسير منهم ، و زرع فيهم بعض "الفوبيا" من ركوب السُفن و الغرق.
أما الطائرات ، فحدّثوا و لا حرج ، فحوادث سقوطها شهيرة جداً ، و قد جسّدتها الأفلام و نقلتها الأخبار و نشرتها الصحف و روتها القصص و الأساطير على مَرّ العصور ، و أعتقد أنها من أشهر أنواع "الفوبيا" ، إذ أنَّ تأثيرها واضح و جَليّ على الكثير من الناس ، و لنلتفت حولنا و نحاول إحصاء عدد الذين يخشون ركوب الطائرات . حتماً لن نستطيع . و حتى مَن تجرّأ و كسر حاجز الخوف ، نجد ذات الخوف يتراقص أمامه تراقص الأفعى حال إقلاع و هبوط الطائرة ، و حال سباحتها في الجوّ أيضاً ، و نجده في تلك الأثناء يلوذ و يلتجأ و يعتصم بالله و بالآيات و التسبيح و الإستغفار و ربما التشهُّد حتى يطمأن أنَّ قدميه تلامس سطح البسيطة ، حينئذٍ سيعود إلى وضعه الطبيعي.
في عصر التقدّم و التكنولوجيا و السيارات الفارهة ، لا زال يقطن بيننا مَن يخاف قيادة السيارات ، البعض منهم كبار السن الذين يأسوا من موضوع القيادة لأنهم لم يتخطوا حاجز الخوف منها أو يأسوا من تكرار فشلهم في تعلمها في سنوات شبابهم ، و استعاضوا بأبناءهم أو سائق خاص كي يسد هذه الثغرة في حياتهم ، و البعض منهم شباب سكن الخوف أقفاصهم أيضاً و لم يبرحها ، و لم يحاولوا أن يفلتوا من تحت براثنه !!
أيضاً نُفرد مساحةً من الذِكر لـ"فوبيا" الأمراض و البكتيريا و التلوث ، فنجد الكثير من الناس يفرطون في موضوع النظافة و التعقيم ، و ترافقهم المعقمات و المطهرات في حلّهم و ترحالهم . بل حتى في حقائب اليد ، و الإفراط في هذا الأمر قد يُسهم في إضعاف المناعة لأنه يحدّ من تعرّضها لمقاومة البكتيريا و بالتالي ضعفها.
هناك نوع من الهواجس الغير جليّة ، و لا أعلم هل يصل بنا الحال لأن نُطلق عليه "فوبيا" أم لا ، لكنه يسكنني بحكم تنقلاتي المستمرة بالقطار و بالتأكيد يسكن غيري ممن يسافرون كثيراً ، و هو التساؤل عن "كيفية" و "ماهية" الشخص الذي سوف يركن إلى جانبي في المقعد الشاغر و يرافقني طيلة رحلة ستدوم عدة ساعات ؟! ماهي ثقافته و أفكاره و شخصيته و تقبّله للآخر و غيرها من التساؤلات. فوجوده إلى جانبي قد يحدّ من حريتي و يضعف من خصوصيتي . 
قد يرى البعض أن هذا الموضوع ليس بذي أهمية ، لأنها مجرّد رحلة عابرة اقتضت تجاور الكثير من الأشخاص ببعض بمحض الصدفة أو بترتيب من الجهة المنظمة ، و بمجرد الوصول سوف ينفضّ هذا الجوار ، لكنني أرى أن الموضوع يحمل شيئاً من الأهمية إذا ما قسنا أن للسفر فوائد كما نوّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن هذا المنطلق ، أجد في التعارف و الإحتكاك بالناس فائدة كبيرة و ثقافة عظيمة ، فالفرد مرآة للفرد الآخر ، و مقياس فكري و ثقافي مهم ، و قد يدور نقاش بين فرد و فرد في رحلة عابرة دون سابق معرفة و يكون ذا مردود كبير و ثراء عظيم ، أو قد تنشأ علاقة قوية لا تنتهي تكون نقطة إنطلاقها تلك الرحلة. أو قد يكون عكس ذلك كله !! فكل شيء يقبل النقيضين ، لكن يجب أن نحسن الظن حتى يثبت العكس.
بقي أن أقول مهما تعدَّدت و تشكَّلت أنواع "الفوبيا" ، فإن الإنسان قادر بالمِراس و المحاولة على تخطيها و تحديها دون أن تكون نقطة ضعف يراها أمامه أينما حلَّ و ارتحل.


للتواصل مع الكاتب :
Twitter & Instagram :
@RaedAAlBaghli
E-Mail :
raed.sabb@hotmail.com

الأربعاء، 14 أغسطس 2013

الموتُ يقطفُ أُسامة !!



كنتُ على مكتبي في البنك ، منهمكاً في إجراء بعض العمليات ، و الساعة تُشير إلى الرابعة مساءً من يوم الاربعاء ١٤-٠٨-٢٠١٣ ، و كان زميلي الذي يركن إلى جانبي مشغولاً أيضاً بإجراء بعض العمليات لعميلٍ سوداني مألوف لدينا يتبع لإحدى الشركات. و قبل أن يُنهي هذا العميل ما جاء لأجله ، إذ ترك نافذة زميلي ، و تسمَّر عند نافذتي ، و بعد أنّ سلَّم عليّ و قدم التهاني بالعيد على جناح السرعة . قال : عارف صاحبك أسامة ؟!.. فأجبته و أنا في ذعر ينتظر الإجابة التي تسبق سؤالي : نعم.. ما به ؟!.. قال لي: توفى .. نزل عليّ الخبر نزول الصاعقة ، و مرّ في مخيلتي حينها شريطٌ سريعٌ يعرض الفترة التي عرفتُ فيها أسامة و المواقف التي جمعتني به ، و يردد في داخلي صوته و يرسم صورته و يعرض ضحكته.
أسامة جعفر شاب سوداني ثلاثيني أعزب ، دَمثٌ الخُلُق ، بَهيّ المُحيَّا ، سلس التعامل ، سخيُ و معطاء . معرفتي به مُمتدة لأكثر من ثلاث سنوات . تعرَّفتُ عليه عن طريق عملي في البنك ، و استمرَّت هذه العلاقة و نَمَت مع مرور الوقت بسبب كل ما يتحلّى به من سجايا و خصال ، فقد كان نعم الرجل رحمة الله عليه.
كان يحكي لي عن نيته لإستخراج تأشيرة "زيارة" لوالديه ، لأنه ينوي أن يعتمر معهما ، و بالفعل ، أبلغني عن مقدمهما للمملكة ، و كأنه أتى بهما كي يلقيان حتفيهما ، أو كأنه شَعَر بدنوّ أجله ، فأختار أن يعتمر معهما و من ثم يرحلون عن هذه الدنيا سويَّةً.
كان أسامة يقود السيارة بسرعةٍ فائقةٍ أثناء العودة من العمرة و زيارة المصطفى- صلى الله عليه و آله و سلّم- و كان معه في السيارة والديه ، و صديقه و زوجته و رضيعهما ، و قد تعرَّضوا لحادثٍ أليمٍ تسبب في إزهاق أرواحهم ، و لم ينجُ من الحادث سوى زوجة صديقه التي ترقد في العناية المُركّزة و رضيعها الذي لم يُصب بخدشٍ واحد للعناية الإلهية به.
رحلَ أسامة ، لكنه لم يرحل وحيداً ، بل رحلَ برفقة والديه ، و قد يكون ذلك لشدّة بره بهما ، فما لبِثَ أن اعتمر معهما و زاروا جميعاً أشرف الخلق حتى غادروا الدنيا و لسان حالهم يقول:" ما أجمل أن تكون تلك خواتيم أعمالنا " . رحلَ أسامة و أخذ معه صديقه ، و لم يترك له مجالاً كي يعيش على أطلال ذكرياته.
كان رحمه الله يعشق الأحجار الكريمة لأنه كريم نفس ، و قد كان يوصيني كثيراً بأن أجلب له عيناتٍ من باعة هذه الأحجار حال سفري للأحساء كي يختار بينها ، و كان يدفع دون أن يناقش في السعر ، بل كان يدفع في الحجر الكريم أكثر مما يستحق.
كنتُ كثير الإلحاح عليه في حياته بأن تزوّج و كوّن أسرة و استقر ، و عندما وصَلَت والدته إلى الرياض ، أبلغني أنها رشّحت لها فتاة سودانية مقيمة في الرياض . و بعد رحيله شعرتُ أنّ احجامه عن الزواج في الفترة الماضية قد يكون لحكمةٍ إلهيةٍ . حتى يرحل مع والديه دون أن يترك جرحاً غائراً لا يُرتق في قلب إمرأةٍ و أطفال.
آخر لقاء جمعني به رحمه الله كان في المكتب ، و كان يحمل في يده حينها جوّاله GALAXI S IIII ، و الذي اقتناه مؤخراً ، و كان حينها يستمع لمحاضرة على اليوتيوب ، فنصحته أن يستعين بسماعة الأذن كي يستمع للصوت بشكلٍ أوضح و تركيزٍ أعلى ، فلمح سماعتي على مكتبي ، فطلبها مني ، فلم أمانع ، و قال لي :" كم تريد فيها ؟" فقلت له :" هي لك دون ثمن " ، و لم يغادرني حتى التقط لي صورة بجوّاله ، ثم أرسلها إليّ بالواتساب.
عندما أتلقى نبأ وفاة شخصٍ أعرفه ، لا أعلم لِمَ أبادر بالإتصال على رقمه مباشرةً ؟! .. هل بحثاً عن الشك الذي قد يُبدِّد يقيني ؟! أم بحثاً عن اليقين الذي قد يقتل شكي ؟! أم محاولة لإيجاد رابط لو معنوي بهذا الراحل ؟! أم أن هناك رغبة في داخلي تقودني لأن تضجّ أسماعي و ترتعش روحي على نبرات التسجيل الصوتي القائل: " إن الهاتف المطلوب لا يمكن الإتصال به الآن " ، كي أكملها بألم :"و لن يمكن الإتصال به فيما بعد"؟! . هذا ما فعلته فعلاً عندما تلقيتُ نبأ وفاة المرحوم أسامة جعفر ، و بعدها فتحت الواتساب على رقمه ، و شاهدت تاريخ آخر ظهورٍ له و الذي لن يليه ظهور ، و قد كان في ١٠-٠٨-٢٠١٣ في الساعة ٢:٢٦ مساءً ، و من ثم عمدتُ إلى تكبير صورته المعروضة في الواتساب ، و كأنني أردتُ أن ألقي نظرة الوداع ، و أعدتُ قراءة رده على آخر مقال أرسلته عن طريق الواتساب ، و قد كتبَ فيه :" وفقك الله يا أخ رائد ، كلام رائع و إنسان جميل" ، و طبعاً كان وقع كلامه هذا مختلفاً بعد وفاته ، و أعدتُ النظر إلى بطاقة التهنئة بعيد الفطر التي أرسلها قبل قضاء نحبه ببضع أيام و قد كانت تحمل عبارة :" كل عام في بالي تمر .. عيد و غلا و وصال".. و كانت خانقة بحق.
في الختام ، أسأل الله أن يرحم أسامة و والديه و مَن رحلَ معه ، و يرحم موتانا و موتاكم و موتى المؤمنين و المؤمنات ، و رحم الله من قرأة المباركة الفاتحة و أهدى ثوابها لروح الفقيد أسامة جعفر.