الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

تسونامي اليابان و الحكمة الإلهية !!

[من الأرشيف]- 12 مارس، 2011‏

اعتادت الكثير من الدول أن تجتاحها الكوارث الطبيعية من زلازل و براكين و أعاصير بين فترات ، حتى أصبحت بعض الدول تشتهر بهذه الكوارث ، و لليابان نصيبٌ وافرٌ منها ، فقد تلقت الكثير من الزلازل طوال تاريخها ، و كان الكثير منها يقع تحت مسمى تسونامي ، لكن يُعتبر تسونامي الأخير الذي اجتاح اليابان في 11 مارس 2011 هو أقوى الزلازل في تاريخها ، إذ بلغت قوته على مقياس رختر 8.9 ، وقد وقعت على إثره فيضانات و انفجارات أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح و الممتلكات .


لكن بودي هنا أن أطرح تساؤلا اعزائي القرّاء ..
لو وقعت هذه الكارثة الطبيعية – لا سمح الله - على إحدى الدول الخليجية أو العربية أو إحدى الدول النامية ، ترى هل سيكون لها وجود على الخارطة الاقتصادية أو السياسية من جديد ؟!.. هل ستقوم لها قائمة مجدداً ، و هل سترتفع لها راية في أيٍ من المحافل الدولية ؟!.


تعرضنا لاختبارٍ إلهيٍ في مدينة جدة عام 2009 و الذي أسميه أنا (( اختبار الدور الأول )) ، هو اختبارٌ بسيط ، و لكن لضعف الاستعداد أصبح قاسياً و صعباً جداً ، اختبارٌ حول عروس البحر الأحمر إلى أرملةٍ بهطولِ أمطارٍ غزيرة أغرقت جدة و أهلها، و ارتفعت على إثره صيحات الرأي العام و الشارع السعودي بأكمله مُندِّدين بما حصل للعروس ، و مطالبين باجتثاث الفساد الذي تسبب في هذه الكارثة ، و محاسبة المسئولين عن هذا الفساد و المقصرين في أداء الواجبات المناطة إليهم ، و لم يمضِ على أحزان أهالي جدة كثيراً ، حتى جاء موعد (( اختبار الدور الثاني )) الذي هو الفرصة الأخيرة للنجاح ، أو النجاة إن صح التعبير ، و في السنة التي تليها ، هطلت الأمطار بغزارة و تحولت إلى سيول أغرقت شوارع جدة من جديد ، و لتكشف أن المسئولين لم يحركوا ساكناً هناك ، و يبدوا أنهم ظنوا أنها كارثة عابرة ، و استبعدوا أن تتكرر في السنة التي تليها ، و لكن : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏ } .

اليابان تعقد المؤتمرات و تعطي الدروس في إدارة الكوارث الطبيعية على مستوى الفرد و المجموعة ، و تُشَيّد المباني و الطرقات المقاومة للزلازل و تقيم البنى التحتية و أدوات التصريف وفق أسس علمي و على أعلى مستوى ، و ما أن يسمعوا عن زلزال أصاب دولة مجاورة الا و تقام الاستعدادات الاحترازية على قدمٍ و ساق ، فاليابانيين يؤمنون بالقول المأثور لديهم لعالم الفيزياء الياباني الشهير توراهيكو تورادا الذي عاصر أسوأ الزلازل التي شهدتها اليابان في القرن العشرين‏:‏ (( إن الكوارث تقع دائما عندما تقل توقعات حدوثها إلي الحد الأدنى‏ )) ، و نحن في جدة لم نتوقع و لا حتى نستفد من تجارب غيرنا حيال هذا الأمر ، بل انتظرنا أن نقع في الحفرة ، و حتى عندما وقعنا بها لم نتعض من هذا الدرس المؤلم ، بل انتظرنا وقوعنا فيها مرةً أخرى !!.. و عجبي هل يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين ؟! 


أعتقد أن الحكمة الإلهية هنا لعبت الدور الأكبر في أن تنال اليابان الحظ الأوفر في الزلازل الآسيوية ، فدولة نهضت بعد أن مُسِحَت من على الوجود بعد الهجوم الأمريكي النووي عليها في الحرب العالمية الثانية عام (1364هـ / 1945م) و الذي أستهدف مدينتي هيروشيما و ناجا زاكي ، حيث لقي أكثر من 220,000 مصرعهم في هذه الإبادة النووية الوحشية الجماعية ، و ها هي اليابان بعد أن كانت رماداً تتبوأ مكانة دولية مرموقة و تشكّل إمبراطورية اقتصادية صناعية ، و لنحمد الله أننا لم نواجه ما واجهته اليابان في تاريخها ، و إلا لما كان لنا و لا لآبائنا و لا لدولنا وجود .


حزين جداً مما حدث لليابان ، لكن دولة كهذه تعودت على التحديات ، و هي قادرة على العودة من جديد ، و ما تراجعها بعد هذه الكارثة الا تبديل مراكز ، كي تعود و تشتاق للمقدمة كما الخيل الأصيل ، فتسعى لتعانقها من جديد .

بقلم / رائد علي البغلي 

متقدّم لبنتي عريس .. شرايكم فيه ؟!

[من الأرشيف]- -  15 فبراير، 2011

كل بيت يعج بالفتيات يكون أهله في حالة ترقب دائم لكل زيارة مفاجأة ، و كل زيارة قد تكون مثار تساءلٍ و جدلٍ عن أسبابها و ما هو الهدف منها ، و قد تطابق إحدى الزيارات لأحد البيوت آمال أصحابه و تعانق أمانيهم كونها لهدف رؤية العازبات فيه و المنتظرات للنصيب الذي سيكون بمثابة جواز السفر من هذا البيت إلى عالم الزوجية الذي يعج بالأحلام و الأمنيات و تغلفه الخصوصية و الكينونة ، و تكتسيه المحبة و السعادة ، و ما أن يفصح الزائرون عن نواياهم ، و يكشّرون عن أهدافهم من الزيارة ، الا و ستتعالى الزغاريد ، و ستنبثق كل أنواع البهجة و السرور على ظواهر و بواطن أصحاب هذا البيت لشعورهم أن هناك زهرة من زهور هذا البيت سوف يقطفها من سيرعاها و يصونها و يشاركها تكوين الأسرة و الإنجاب و الانخراط في رحلة الحياة الطويلة بحلوها و مرّها ، و بعد أن تمر بضعة أيام على هذه الزيارة السعيدة لهذا البيت و التي أرجفت قلوب ساكنيه طرباً و سروراً ، الا و سرعان ما سيدخلون في الحسابات الكثيرة التي تسبق كل مشروع زواج ، و سوف تضيع الفتاة و أهلها في دوامة التساؤلات الكثيرة حول العريس و أهله ، و لعل أهمها السؤال عن العريس لمعرفة ماهيته و سلوكياته و توجهاته ، هل هو العريس المناسب ؟! و هل أهله الأنساب المناسبين ؟! .. هل سيوافق تطلعاتهم أو سيتسبب لهم و لها على وجه الخصوص بصدمة قد تدوم طويلاً لارتباطها فيه ؟!.. ماذا لو تمت الزيجة و اكتشفت الزوجة سلوكيات منحرفة في زوجها لم تكن تعلم عنها قبل الزواج ؟!.. ماذا لو اكتشفت أنه يعاني مشكلة صحية عضوية أو نفسية لم يفصح عنها قبل الزواج ؟!

 السؤال و التحري عن أي شخص بحد ذاته يشكّل مشكلة عظمى ، حتى قبل الوقوع في مشكلة سلوكياته المنحرفة التي سوف تظهر بعد الزواج ، و السبب أن السؤال عن أي شخص سوف ينحصر في أطراف محددين و هم أقربائه المباشرين (( أب ، أم ، أخ ، أخت ، عم ، عمة ، خال ، خاله )) و غير المباشرين (( ابن العم ، ابن الخال ، ابن العمة ، ابن الخالة أو ما شابه )) ، أو أصدقائه المقربين الذي يعرفون عنه أكثر مما يعرفه أقربائه المباشرين و غير المباشرين ، و المشكلة الدائمة الوقوع في مجتمعنا المنغلق تحديداً هي أننا نعول الكثير على السؤال ، و نعتبر الاستفتاء الذي سوف نقيمه عن العريس المتقدم هو الأساس ، و عليه تقترن الموافقة من عدمها .
و السؤال في وجهة نظري غير كافٍ و السبب أن نفعه ليس بالكبير على الحالة المترتب عليها هذا السؤال ، فإن سُئل أهل الشاب فالتزكية مضمونة 100 % ، و إن سُئل أصدقاء الشاب فالتزكية أكثر ضماناً حتى و إن كانوا يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذه التزكية في غير محلها ، لكن هذا هو طابع مجتمعنا العاطفي و الذي تغلب عليه النظرة النرجسية في معظم الأمور و دائماً ما تجرنا هذه النظرة إلى عالم السذاجة و تعجل بوقوع المكروه قبل حينه في بعض الأحيان ، و تجرنا إلى مالا يُحمد عقباه في أحيان كثيرة .
 قد لا يكون القصد من التزكية للشاب الغش أو التدليس بقدر ما يكون الهدف منها عدم التسبب في إبطال هذا الاقتران أو التزاوج عطفاً على نسبة العنوسة المرتفعة في المجتمعات العربية ، و دائماً نسمع عبارة (( ما نبي نقطع نصيب )) في مجتمعنا الاحسائي تحديداً ، و لا يعلم من يتفوّه بهذه العبارة أن نظرته لم تتعدى مسافة ظله ، أي بضعة أمتار فقط ، و لو كان هذا الشخص ينظر لبعد أميال لفكر أن قطع النصيب في البداية و الناس على البر (( حسب تعبير الإخوة المصريين )) أفضل من قطعه بعد تشربك الطرفين و ما يتبع لهما من أقارب و تفجر بركان المشاكل و الدخول في قضايا الخلع و المحاكم ، و تشرد الأطفال إن وجدوا ، و في النهاية إن تم الطلاق سوف توصم الفتاة بالمطلقة و الشاب بالمطلق ، و سوف يعيش الأطفال عيشة تشرد و ضياع بين أبوين منفصلين ، بينما لو وُجِد الشخص الحكيم الذي لو سُئِل قبل أن تقع الفأس في الرأس لَكَشف عيوب الشخص المتقدم للخطبة ، فإنه حتى لو وقع عليه أقسى أنواع اللوم و العتب في بداية الأمر من الأقارب ، ففي نهاية الأمر سوف يدركون حجم المعروف الذي أسداه لهم هذا الشخص الذي لم تأخذه في الحق لومة لائم ، و أدلى بما يمليه عليه ضميره و دينه و وقف حائلاً دون وقوع مأساة أسرية جديدة تضاف لسجل المآسي الاجتماعية الكثيرة الذي يعج بمثل هذه القضايا ، و سوف يشكرونه و يدعون له بعد سماعهم لو صدفة مستقبلاً عن أي شيء من عيوب هذا الشخص الذي تقدم لابنتهم يوماً ، و حينها أنقذهم هذا الشخص بشهادته الحق التي جاءت لتعمّ بها مصلحة كل الأطراف ، لأنه رأى أن الانفصال واقع لا محالة في ظل المعطيات المتاحة ، فلِمَ يكون الانفصال بعد الاقتران و بالتالي يترتب عليه الخسائر المادية و النفسية و المشاكل التي لا حصر لها و تولُّد العداوة و البغضاء ؟! فهذا فعلاً من لم يتسبب بقطع النصيب ، لأنه رأى عدم جدوى الاقتران من الأساس بين الطرفين لعدم التكافؤ لأي سبب كان ، و ليس فقط الانحراف الشاب أو انحلال سلوكياته ، فللأسف النظرة العظمى للمجتمع محصورة في سلوكيات الشاب و أخلاقياته ، و كأن هذا هو مصدر الخطر الوحيد الذي ما إن نجتازه إلا و قد وصلنا إلى برّ الأمان ، و هذا خطأ آخر في التحليل ، فأسباب الانفصال التي قد تقع بعد الزواج كثيرة بخلاف الإنحراف الخلقي ، منها  :
1-    عدم القدرة الإنجاب . 
2-    اكتشاف عدم الوفاق الفكري مما يؤدي إلى الخلافات المستمرة .
3-    اكتشاف وجود مرض عضوي أو وراثي أو نفسي لم يتم الإفصاح عنه سلفاً قبل الارتباط مما يؤدي إلى عدم توافق من جانب ، و عدم ارتياح من جانب آخر كون أحد الطرفين شعر بعدم مصداقية الطرف الآخر لإخفائه أمر هام يفترض كشفة قبل الشروع في العلاقة الزوجية  ، فالفحص قبل الزواج مهم للحد من الوقوع في مثل هذه المشاكل .  
4-    تدخل الأهل في خصوصيات الزوجين .
5-    الفوارق الكثيرة الاجتماعية و المادية و غيرها. 

طبعاً ما سبق ذكره  من نقاط ممكن أن يصدر من الزوج أو الزوجة على حدٍ سواء  ، و ليس حكراً على الزواج وحده ، فالخلل موجود ، لكن أين مكتشف الخلل ؟!.. و إن وُجِد المكتشف ، أين مُعالج الخلل بحكمة ؟! 

 بقلم / رائد علي البغلي 

زمن التنّـتيف .. يا أحلى زمن !!



 [من الأرشيف]  - 21 نوفمبر، 2010


كل من لديه صديق أو قريب في إحدى الدول الخليجية المجاورة من ذوي الدخل المرتفع من المؤكد أنه دخل معه في مناقشة و مفاضلة و ملامسة الفروقات من حيث الدخل و المستوى المعيشي ، و في نهاية الأمر خرج بحسرته و غصته .
الفوارق ليست مادية فقط ، بل حتى خدمية ، فنجد الموظف الحكومي يمتلك تأمين طبي للعلاج له و لأسرته ، و تدفع له رسوم زوجية و رسوم على كل مولود ينجبه ، حتى يكون قدوم المولود بشرى سارة ، و ليس عبئاً ثقيلاً و وِزراً شديداً و بنداً مالياً جديداً يضاف لسلسلة البنود المالية القاصمة للظهر ، و يكون له نصيب جيد في اشعال ما تبقى من سواد في رأس أبوه شيباً .
 و له أيضاً الحق في إدخال أطفاله مدارس خاصة تدفع رسومها جهة عمله أو على الأقل تدفع جزئاً منها ، و بعض الدول تعفي مواطنيها من فواتير الخدمات كالغاز و الماء و الكهرباء و الهاتف ، و نحن لا زلنا نحارب على التثبيت و الترسيم الوظيفي هاربين من البنود و المسميات الوظيفية المتدنّـية . و ماذا بعد الترسيم و التثبيت يا وزاراتنا الموقرة ؟! راتب 3500 ريال و لن يتعدى سقف 7000 ريال ، و ماذا ستفعل الثلاثة آلاف و الأربعة و حتى العشرة في هذا الزمن الذي أسميه أنا زمن (( التنّـتيف )) ، فكلٌ يريد أن ينتّـف منك شيئاً كما الدجاجة التي يُنتّـف ريشها من كل حدٍ و صوب ، و في النهاية تُسلق أو تُشوى أو تقدم "بروست" حسب الرغبة ، فإن جلسنا في كوفي شوب من أجل ضبط المزاج بالموكا و الإسبريسو الإيطالي أتتنا من بعد احتسائه فواتيره كي تعكر ما رممه الطليان ، و إن عمرّنا رأس المعسل أو الشيشة ، حرقنا جمر الفواتير و لا نملك إلا أن نصرخ بكلمة : (( جمرررر )) طالبين العامل الذي يقوم بمباشرة الشيشة و الاهتمام بها كي ينعشها بمزيداً من الجمر و بالتالي تطلق الدخان الكثيف كي يعبر عما بصدورنا من آهات مكبوتة ، و إن تعشينا في مطعم من باب كسر روتين العشاء البيتي  وجدنا الفاتورة تحت طبق الحمص و قد وضعها لنا مقدم الطعام اللبناني من باب الذوق و حتى لا يُعَجّل علينا بنزول صاعقة فاتورته و التي سوف تكون في مفعولها أقوى من السفن أب في تخفيف ثقل العشاء ، و صرنا نتهرب من دخول المجمعات و المولات التجارية خوفاً من جلد سوط أصحاب الماركات ، و إن اكتفينا بالتمشي بالسيارة لا نسلّم من اشتعال لمبة البنزين الحمراء التي سوف تضيق ذرعاً إذا لم نغذيها  بالبنزين كما نغذي بطوننا و بطون عيالنا و لا أنسى غيار الزيت و السيفون و الفتلر الهوائي و (( الذي مِنّـو ))، و حتى إن أغلقنا على أنفسنا أبوابنا فلن نفلت من حبل الفواتير الذي كبّـل اليدين و الرجلين بل و أطبق على الأفواه من هاتف ثابت و جوّال و انترنت و كهرباء و مياه و سلة (( المقاضي )) الدورية أو الأرزاق ، و من لديه أطفال فدعائنا له واجب ، و حتى الزيارات العائلية لم تنقذنا من الفواتير ، فلا بد أن تحمل في يدك هدية (( حسب عُرف كل عائلة طبعاً )) ، و الراتب المسكين يعتصر ألماً و يبكي حسرةً مما ألمَّ به ، و أحياناً كثيرة يشكي همه لصديقه الصدوق الواقف دائماً في الضرَاء البطاقة الائتمانية طالباً العون و المساعدة ، و بما أن البطاقة الائتمانية عُرف عنها تلبية النداء بشكل عاجل و من خصالها النخوة في هذه المواقف ، فأكيد سوف تشتعل هممها معوضه عجز الراتب ، و الحسابة بتحسب يا حضرة البنك .

مشكلة أن الراتب اسمه معاش ، أي (( ما عاش )) و لن يعيش في ظل  مسرحية (( التنـّـتيف   )) و التي تُقام على شرف المواطن المسكين ، الذي ينتظر نزول الراتب آخر الشهر كي يشتم رائحته و من ثم يَهُمُّ لتقسيمه كما كعكة عيد الميلاد التي تكون جميلة في شكلها في بداية وصلوها لمقر الحفل ، و الكل من حولها يتسايل لعابه من أجل نيل حصته منها ، و يأتي صاحبها كي يقطعها أجزاءً مجزّئة ، كي ينال كل شخص من الوقوف جزءاً منها ، و هذا ما يجري بالضبط مع كل موظف عندما ينزل راتبه آخر الشهر ، فبمجرد وصول رسالة البنك على جواله معلنةً عن نزول الراتب في الحساب ، إلا و تختلط التعابير على مُحيَّاه ، ما بين ابتسامة السعادة بانتهاء شهر عمل مليء بالتعب و الكدح و قد كُلِل بنزول راتب قد يُنعش الصدور بعدما التهبت منذ منتصف الشهر أو قبل ذلك بنشوف الراتب و تراكم الأعباء ، و ما أن يتذكر أن هذا الراتب هو (( كعكة عيد الميلاد )) كما شبهناها سلفاً التي سوف تُقطّع و تُوَزَّع على الطابور المصطف من المطالبين ، إلا و تهب رياح الكآبة على وجهه مغيرة تعابير السعادة باستقبال الراتب ، إلى تعابير حزن لوداع الضيف العزيز الذي ما إن وصل بعد طول انتظار ، إلا و سرعان ما رحل تاركاً ورائه ألم و حسرة.
موضوعي هذا ليس سخطاً أو تذمراً ، نحن و لله الحمد في بلد خيرٍ و نعمةٍ يفتقدها الكثيرين في دول العالم ، لكن ليس عيباً أن نطرح عيوبنا على طاولة النقاش و نناقشها بجرأة بهدف الوصول إلى حلول ، و من أبرز المشاكل لدينا و التي تجعل الكثيرين منا غير قادرين على عملية التنظيم المالي هي بورصة الأسعار لدينا في السلع و الخدمات، فهي فعلاً بورصة بسبب الارتفاع و الانخفاض الغير مبرر ، و التجار عندنا يسيرون على رأي الفنان الكبير دريد لحام في شخصيته الشهيرة : غوار الطوشة (( كل مين إيدو إلوو )) ، فصار الشخص المستأجر يخاف أن يطرق عليه المالك الباب ، ليس خوفاً من دفع الإيجار ، بل خوفاً من أن يرفع عليه الإيجار .
كان الله في عون من راتبه 1500 و 2000 في هذا الزمن الموحش ، فلا أستطيع أن أتخيل كيف تمر بهم الليالي الظلماء و الأيام العتية ، و كيف يقتاتون و يكتسون و كيف ينامون و يضطجعون ،  و لكن برغم كل ما يعصف بنا ، يبقى لدينا رب اسمه الكريم ، فرحمة الله واسعة ، و أبواب رزقه مشرَّعة ، فقط علينا بالسعي و التحرك باتجاهات أخرى غير الراتب ، و كان الله في عوني و عونكم يا أحبائي .

بقلم / رائد علي البغلي

تركت الدراسة طائشاً .. و بكيتها ناضجاً ..!!



[ من الأرشيف ] - 07 نوفمبر، 2010

في ظل الظروف المعيشية الصعبة ، و في ظل تضائل الفرص الوظيفية ، و في ظل الغلاء الفاحش الذي قصم الظهور و الذي ساهم بارتفاع كل شيء من مواد أساسية و استهلاكية ، لم يعد الشاب وحده الباحث عن فرصة وظيفية ، بل  بات الشاب و الشابة على حدٍ سواء يبحثون في الإعلانات الصحافية والمواقع الوظيفية عن وظيفة تؤمن لهم رغباتهم اليومية و متطلباتهم المعيشية ، فالشاب يريد أن يكوّن نفسه و يتهيأ للزواج و بناء مستقبل مشرق ، و أن يحقق حلم يراوده و يراود كل الشباب هو امتلاك بيت الأحلام ، و إن كان بعيد المنال في الوقت الراهن بالاستناد إلى ما سبق ذكره .
و الشابة تريد أن تصرف على نفسها باستقلالية دون إزعاج أو تقييد مالي من أحد (( إذا قسنا على ارتفاع مصاريف الفتيات مقارنة بالشباب )) ، و تريد أن تساعد أهلها إن كانت عزباء بما تجود به نفسها ، و إن كانت متزوجة ستطمح إلى مساعدة زوجها براتبها كدخل إضافي مع دخل الزوج في تأمين المستقبل و امتلاك منزلاً يضمهما و الأولاد و يقرّهم جميعاً .
طبعاً كل الحديث السالف الذكر كان مقدمة أو مدخل إلى الموضوع الذي أود طرحه بين أياديكم كي تشاطرونني التحليل الهادف ، و الحوار الذاتي مع النفس ، كي نقيس من خلال هذا الموضوع مستوى فكر و نضج كل شخص فينا ، و كي نعرف بعض توجهاته و طموحاته و أمنياته .
كثيراً من الناس يتخذون قرار العزوف عن الدراسة بمراحلها المختلفة لأسباب لا يعلمها إلا هم ، و كي لا نُجِحف أصحاب الظروف القاهرة حقهم ، هناك أشخاص تجبرهم الظروف القاهرة و القاسية على ترك الدراسة ، أما لظروف مادية أو اجتماعية أو غيرها مما قد لا يطرأ على البال .

و دعونا نسهب قليلاً في الحديث عمن يترك الدراسة بقرارعشوائي منه دون أي وعي أو إدارك لخطورة ما اقترفه ، و سوف أدلل على ما (( أسفله خط ))  في الأسطر القادمة .
كثيراً من الناس يترك الدراسة في لحظة ملل أو طيش أو غضب ، و من ثم تدور الأيام و يمر الوقت و يشعر أنه جانب الصواب يوماً ، بل أجرم جرماً لا يُغتفر في حق نفسه و في حق أسرته و أبنائه عندما يجد من كانوا زملائه يوماً على مقاعد الدراسة أصبح منهم الطبيب و المهندس و موظف أرامكو و سابك و غيرها من الوظائف المرموقة ، و هو في وظيفة متواضعة من حيث الدخل و من حيث الوضع الاجتماعي ، حينها يقرر متأخراً العودة إلى مقاعد الدراسة كهلاً ، علّه ينقذ ما يمكن إنقاذه من المستقبل المُرمّد ، و بالفعل .. يعود للدراسة و هو موظف و رباً لأسرة تتكون من زوجة و عدة أطفال و هو (( يا عيني )) موظف صباحاً و طالب في المرحلة المتوسطة أو الثانوية ليلاً.!!.. و يحاول هذا الرجل جاهداً اللحاق بالركب الذي فاته علّه فعلاً يتمكن من اللحاق به .
و هناك أيضاً من يترك الدراسة لسنوات بسيطة و من ثم يشعر بالفرق الواضح عندما يجد نفسه في وظيفة متواضعة جداً بالكاد توفر له قوت يومه و هو أعزب ، فكيف لو أرتبط بزوجة و دخل في معمعة مصاريف الأسرة و الأطفال و الإيجار و الكسوة وما إلى ذلك !!.. فعندما يتذكر كل ما سبق يجد نفسه هلِعاً و يجدها أمور تؤرق منامه و توقض مضجعه ، فيضطر للعودة للدراسة رغماً عن أنفه (( مع الاعتذار لغضاضة التعبير )) سائراً على المثل المعروف (( مُكرهٌ أخاكَ لا بطل )) ، و بعدما كان يتسلق سور المدرسة هرباً منها بحثاً عن التسكّع في الشوارع و التمدد على الفراش ، الآن يتسلق نفس السور هرعاً إليها بحثاً عن الأمان و المستقبل ، هذا إن أصيب بصحوة مفاجأة و هي نادرة طبعاً .
طبعاً كثيراً من الناس يتولد لديهم الحماس و الطموح متأخراً عندما يبحرون في الحياة العملية و يلامسون الفرق عن كثب بين حاملي الشهادات العليا و بين حاملي الثانويات أو الدبلومات ، و يُصرّون على إكمال دراستهم بأي طريقة كانت من أجل تطوير الذات و الحصول على مؤهل جديد أعلى مما هم عليه يخوّلهم للحصول على مكانة وظيفية أعلى .
و هناك أشخاص تركوا الدراسة في لحظة مشئومة و يعترفون أنهم أجرموا جريمة نكراء في حق أنفسهم ، و لكنهم في ذات الوقت لا يستطيعون العودة لمقاعد الدراسة من جديد لأسباب عديدة بينها : تقدم العمر بهم و بالتالي ضعف القدرات الاستيعابية و الذهنية و التي قد لا تساعدهم على التحصيل العلمي بالشكل المطلوب ، أو بحجة أن ابتعادهم عن أجواء الدراسة لسنوات عديدة أمات فيهم الرغبة الدراسية للأبد .
و هناك أشخاص كان لجدهم و اجتهادهم الدور الأكبر ، بالإضافة إلى محالفة الحظ ، و توفر الظروف المواتية ، فبدئوا بداية دراسية سليمة و أنهوا المرحلة الجامعية دون تأخير يُذكر و لا زالوا يلهثون وراء الدراسات العليا من ماجستير أو دكتوراه ، و طبعاً يجب ألا نغفل أن الجد و الاجتهاد إضافة إلى التوفيق من الله سبحانه و الظروف المهيأة كلها عوامل تساعد الإنسان على الإبداع و التحصيل ، و كثيراً من الناس لديهم طموح جبار و لكن تكون ظروفهم كما أسلفت عقبات عالية تحول بينهم و بين تحقيق أحلامهم سواءً الدراسية أو غيرها .
أود هنا أن أطرح بعض التساؤلات ، لمَ يقرر الشخص فينا الرجوع لمقاعد الدراسة من جديد بعد أن تركتها لسنوات عديدة ؟؟.. هل لهدف الحصول على وظيفة (( لغير الموظف)) ؟.. أم لهدف الحصول على ترقية وظيفية (( للموظف )) ؟؟.. أم بهدف التطوير الذاتي و التحصيل العلمي و الأمر غير مقرون بالوظيفة ؟!.. أم قد يقول البعض منـّا أن لديه أولويات ، فالهدف الأول و الأساسي هو التحصيل العلمي و تطوير النفس و الهدف الثاني و هو الأقل أهمية في نظره الحصول على الوظيفة أو الترقية ؟! ما هي الأسس و المعايير التي يتم الإستناد عليها في اختيار التخصص الذي يُقَرَّر إكمال الدراسة فيه ؟؟.. هل قد تكون رغبة مُلِحـّة لهذا التخصص ؟؟.. أم مواكبةً لحاجة سوق العمل مع إغفال جانب الرغبة حين الاختيار ؟..
أرجو من الأخوة إثراء الموضوع بالنقاش الفعال

بقلم / رائد علي البغلي

تحية تقدير و احترام للعمالة الفلبينية !!



[من الأرشيف] 01 أكتوبر، 2010


تكتظ أرجاء هذا الوطن المترامي الأطراف ، و الشاسع المساحة بملايين البشر ، و يشغل جزء كبير منهم كثير من الجاليات و العمالة الأجنبية ، و الذي يشكلون مزيجاً مختلفاً من الجنسيات العربية و الأجنبية ، و الديانات المتنوعة .

و كثرت الأحاديث سواءاً الشعبية في المجالس ، أو الرسمية في الصحف و عبر وسائل الإعلام المتعددة حول موضوع العمالة الأجنبية ، فما بين مؤيدٍ و معارضٍ ، و ما بين راضٍ و رافضٍ لأسباب عديدة ، تنوعت الآراء ، و تعددت المواقف . و برغم ذلك ، فحتماً لكل شخص فينا عمالة معينة ، أو جنسية محددة ، يوليهم بعض الثقة ، و يعطيهم جزء من الولاء ، و أرى أنا و الكثير يشاطرونني الرأي ، أن العمالة الفلبينية الموجودة لدينا هي من أفضل العمالات ، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق ، فهذه الجنسية تحديداً من العمال تركت إنطباعاً جيداً ، و سمعة جيدة ، و نالت رضاً اجتماعي ، و إقبالاً شعبياً في كافة الميادين .

و لا شك أن ما حَصَدَته هذه العمالة من سمعة طيبة ، و شعبية متميزة دوناً عن بقية الجاليات ، لم يأتِ من فراغ ، بل نبع من إخلاص في العمل ، و إبداع و تميز ، و التزام بالمهام ،  و انضباط في المواعيد ، حيث يتضح جلياً تميزهم في أي موقع وظيفي يشغلونه ، فتجدهم في المستشفيات و المطاعم و الكوفي شوبز و ورش السيارات و ورش الأجهزة الإلكترونية و المطابع و المصانع و الكثير الكثير من المجالات المتعددة ، و تراهم سعداء بأعمالهم ، و يؤدونها بحب و إخلاص ، و نلمس ذلك من خلال تعاملهم مع الجمهور ، حيث نرى المقومات العملية الجميلة التي يتميزون بها هم دوناً عن بقية العمالة الأخرى و هي : (( الابتسامة ، الترحيب ، العرض اللبق للخدمة ،  تقديم الخدمة ، السؤال عن أي خدمة أخرى يمكن تقديمها ، و أخيراً التوديع )) ، فوجودهم في الأماكن التي تتطلب البروتكول و الإتيكيت كالمطاعم و الكوفي شوبز و الفنادق أمر مهم جداً ، لأن هذا الشعب يعي أهمية الخدمة الجيدة المقرونة بالتعامل الراقي مع العميل ، و نرى حضورهم واضح في محلات الورد و الهدايا التي تحتاج مقومات أساسية أيضاً فيمن يعمل بها ، و أبرزها الذوق و القدرة على التنسيق الجذاب و الابتكار الملفت و التغليف المتقن ، بعكس بعض العمالات الأخرى التي لا نود تسميتها ، و التي تفتقر لأبسط أبجديات النظافة ، و الأسلوب الجيد ، و الهندام المنظم ، إضافة إلى افتقارها للاحترافية في أداء العمل ، و قد يصل بهم الأمر إلى الغش و التدليس لافتقارهم في الأساس لمبادئ شرف المهنة ، و الإعداد العملي المبكر .

أيضاً لهذه الجالية – أي الفلبينية - توجهات معينة ، و سياسة متفق عليها من قبلهم ، ينفردون بها دوماً عن بقية العمالة الأخرى ، و أحترمها أنا كثيراً ، فعلى الرغم من زهادة رواتبهم ، إلا أنهم يعيشون في مستوى ترفيهي و نطاق تَرَفي لا يستطيعون التنازل عنه ، فنجدهم يقتنون أحدث الأجهزة الإلكترونية فور طرحها في الأسواق ، و يلبسون أرقى و أغلى الماركات ، و قلما يوجد شخص فيهم ليس لديه بطاقة ائتمانية واحدة على الأقل .

كل ما سبق أمور أغلبنا أو كلنا يعرفها عن هذه العمالة ، و لكن بحكم عملي البنكي ، و احتكاكي بالعملاء بمختلف جنسياتهم و من ضمنهم الفلبينية ، زاد تقديري و احترامي لهذه العمالة ، فلمست فيهم التنظيم و الدقة ، فعندما يكون لأي منهم أي التزام مالي للبنك يستوجب السداد شهرياً ، تجدهم يأتون للسداد قبل الموعد المحدد ، بينما العرب يتخلف شهرين أو ثلاثة و من ثم يسدد شهر ، و تجده يتذمر و يرمي بالتهم جزافاً عندما يتم احتساب عمولة تأخير عليه . أيضاً حتى في طريقة سدادهم أرى غاية الدقة ، فعندما يريد سداد قسط أو فاتورة و مبلغها على سبيل المثال : 173 ريالاً ، يُقدم المبلغ بالضبط دون زيادة أو نقصان ، و يوفر علينا مسألة إرجاع الباقي إليه ، و حتى في طريقة تعبئتهم لقسيمة السداد ، تجدها بخط جميل و منظم و بدون أي شطب أو تعديل ، و لا نتعب معهم بكثرة التوجيهات التي نمليها عليهم بخصوص طريقة تعبئة القسيمة كما العرب و بعض الجنسيات الآسيوية الأخرى ، بل تجده يأتي لشباك الصرف و خانات القسيمة كلها مكتملة ، ويحرصون على تطبيق النظام ، فلا يأتي إلى كرسي أو شباك الخدمة الا حين مشاهدة رقم انتظاره ظاهراً على الشاشة ، و العرب و بعض الجنسيات الأخرى يأتوننا بقسائم السداد و تضطر لإرجاعه أكثر من مرة إما لخطأ في تعبئة القسيمة أو لعدم اكتمال البيانات أو لإتيانه في غير دوره أو لعدم اكتمال المبلغ أو لنسيانه الهوية أو لعدم معرفته رقم السداد الذي يستوجب السداد عليه ، و القائمة تطول .

لا أُزَكّي الفلبينيين عن غيرهم من العمالة من حيث افتعال المشاكل ، فحتماً تصدر من بعضهم سلوكيات خارجة ، لكن بمقارنتهم مع غيرهم ، فحتماً سنجدهم الأفضل ، و إن كان لديهم سلبيات ، ففي المقابل لديهم إيجابيات كثيرة ، و من استقدموا خادمات من جنسيات متعددة من ضمنها الفلبينية بالتأكيد لمسوا الفرق من حيث التعامل و الرقي و اللباقة ، فلاشك أن الفلبين استفادت من الاحتلال الإسباني و البريطاني و الأمريكي لها قبل أكثر من مائة سنة ، فثقافتهم مزيج بين الثقافة الشرقية و الغربية ، حيث تعرض الفلبين ثقافات موجودة في دول آسيوية أخرى كتراث الملايو ، لكنها أيضاً تُظهر التأثر بالثقافات الإسبانية و الأمريكية .

التعليم في الفلبين :
طبقاً للمكتب الوطني للإحصاء ، معدل محو الأمية بلغ 93.4 ٪ لعام 2003 و يتساوى في ذلك الذكور والإناث ، ويبلغ الانفاق على التعليم حوالي 2.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لوزارة التربية والتعليم ، و يوجد 42,152 مدرسة ابتدائية و 8,455 مدرسة ثانوية مسجلة للعام الدراسي 2006-2007. في حين أن لجنة التعليم العالي تذكر وجود 2060 معهداً للتعليم العالي ، 537 منها عام والخاص 1523. يحدد قانون الجمهورية إطار التعليم الأساسي في الفلبين ، وينص على التعليم الابتدائي الإلزامي والتعليم المجاني في المدارس الثانوية ، والتعليم العالي في جمهورية الفلبين متقدم بشكل ملحوظ ، و خصوصاً في المجال الصحي ، حيث أن درجة البكالوريوس في التمريض و الأشعة و العلاج الطبيعي و المختبر تُمنح منذ أكثر من ستين سنة ، بينما في السعودية تم استحداث درجة البكالوريوس في هذه التخصصات في السنوات القليلة الماضية ، و فارق الخبرة الكبيرة في المجال الصحي ولاشك يصب في صالح أبناء الجلدة الفلبينية ، و هذا سبب إقبال دول الشرق الأوسط و الخليج على الممرضات الفلبينيات ، و كذلك أمريكا و دول أوروبا كبريطانيا و ايرلندا . و ما يميزهم أيضاً كعمالة هو تحدثهم اللغة الإنجليزية ، في حين أن كثير من العمالات لدينا تشعر أنك تورطت في حال شروعك بالحديث معه لجهله اللغة العربية و الإنجليزية ، ففي الفلبين أكثر من 171 لغة ، و يُقِرّ الدستور الفلبيني لغتين أساسيتين هما : الفلبينية و الإنجليزية ،  حيث تستخدمان في التعليم و الصحة و الصحافة و الإذاعة و التعاملات التجارية ، و يُعتَرَف بالإسبانية و العربية كلغات اختيارية .

يُقدّر عدد سكان الفلبين بنحو 92 مليون نسمة ، حيث تحتل بهذا العدد المركز 12 على العالم من حيث تعداد السكان ،  و يوجد 11 مليون مغترب فلبيني حول العالم ، من بينهم أكثر من 2 مليون يعملون في الشرق الأوسط ، نصفهم – أي أكثر من مليون فلبيني و فلبينية – يعملون في السعودية ، و لا نستغرب هذا الرقم الضخم من العمالة الفلبينية لدينا ، فكثير من الأماكن و المنظمات التي نرتادها تشهد حضوراً ملفتاً للعمالة الفلبينية و على رأسها المستشفيات و القطاعات الإلكترونية ، فلا نتخيل أي قطاع صحي دون تواجد الوجوه أو اللمسات الفلبينية. حقيقةً من ضمن أسباب إعجابي أيضاً بهذا الشعب المناضل هو تكافئ الفرص و القدرات بين الرجل و المرأة ، فنجد الممرض الفلبيني و بجانبه الممرضة الفلبينية ، و إذا سافرنا إلى دول الخليج المجاورة كالبحرين و قطر ، و قررنا الجلوس في كوفي شوب ، نجد العامل و العاملة الفلبينيين  يقومون بنفس الأدوار على حدٍ سواء ، و لا يتفرد الرجل بمهام أو مجهود أكثر من زميلته المرأة ، فنراهم متساويان في كل شيء موكل إليهما ، و حتى في زي العمل نراه موحّد الشكل و اللون . يبقى للإعداد المبكر منذ الصفوف الأولية الدور الأكبر في تميز العمالة الفلبينية عما سواهم ، فالحكومة الفلبينية تولي هذا الجانب – أي الإعداد المبكر – اهتماماً بالغاً ، حتى تحصل على مخرجات بشرية ، و طاقات عاملة كفئة و فعالة .

بعد كل ما سردته من مواقف و بيانات و إحصائيات عن هذا الشعب المميز ، ألا يستحق فعلاً من باب تقدير المناضلين و المكافحين و المبدعين أن أفرد لهم مقالاً مستقلاً أسلط فيه الضوء على جانب يسير مما يدخرونه من طاقة و فكر و إخلاص و تميز ؟!.. فعلاً أحترم هذا الشعب الآسيوي ، لأنهم فعلاً فرضوا علينا احترامهم ، لاحترامهم أنفسهم و عملهم و من يتعاملون معهم من بشر ، فتحية تقدير و إعجاب للشعب الفلبيني .

بقلم / رائد علي البغلي .