الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

تجارب مُترَفَة ، و تجارب مُنهَكَة !!



قد لا نكره أصحاب التجارب المُترَفة و المدعومة ، و لا نحمل في قلوبنا عليهم ذرّةً من حقد ، حتى و إن شعرنا  أنهم فئة ذات خصوصية فائقة ، و امتيازات عالية خوَّلتهم لأن يجدوا كل الطرق أمامهم مفروشة بالورد ، و كل الأبواب مُشَرَّعة ، و يسيروا نحو أهدافهم بثبات ، و يصلونها دون عناءٍ  ، و يواجهون أمورهم بدَوْزَنَة ، لأننا نتحلّى بشيءٍ من الانصاف ، و نوقن أن حتى أصحاب الوساطات و المحسوبيات لا يخلوا بعضهم من الإبداع ، لكن الفرق بين إبداعنا و إبداعهم هو أن إبداعهم ما إن يتم اكتشافه في محيطهم الضيّق ، إلا و سرعان ما يتم اكتنافه و رعايته و صقله ، و أحياناً منحه أكبر من حجمه بُغيَة وصوله إلى كافة الأوساط ، بينما يحتاج إبداعنا –و إن كان أجمل- الكثير من الصبر المُجهد ، و المحاولات المُضنية ، علَّنا نستطيع أن نُسلّط عليه بعض الوميض كي  يُلفت نظر أحد المارَّة.
و لكن أليس من حقنا أن نسأل : لِمَ لَمْ ينطلقوا معنا من نقطة انطلاق واحدة في مضمار البحث عن فرصة ؟!.. و لِمَ يْسَمح لهم أن يصلوا لصندوق الفرص قبلنا و يستكشفوا ما به و يختاروا ما يحلو لهم ، بينما ما نلبث نحن أن نصل له ، إلا و نجد أن الفرص قد تفرَّقت ، و لم يتبقَّ منها إلا الفتات ؟!..
هل خوفاً منّا عليهم ؟!.. أم خوفاً منهم على أنفسهم ؟!..
هل خوفاً من أن نتفوق عليهم في حضورهم ؟!.. أم خوفاً من أن يهزموا أنفسهم في حضورنا ؟! .. أم أن فارق المسافة بين نقطة انطلاقنا و نقطة انطلاقهم  رسالة واضحة في أن السباق محسوم لهم قبل أن ينطلق ؟ هل يعني ذلك (التثبيط) لنا ، و (التحفيز) لهم ؟!
يا للعجب ، يقفون معنا على أرضيَّة واحدة ، لكنهم يمتلكون كواكب بعيدة ، و يدرسون معنا في صفوفٍ واحدة ، لكنهم يغازلون مواقع شاهقة. يستعينون بدفاترنا في حلّ واجباتهم ، و هم مَن ينالون التكريم و التمجيد !!
عزيزي المُبدع.. لا تستغرب إن درّبتَ شخصاً مُستجدّاً في يومٍ من الأيام و وجدته رئيساً عليك بعد انتهاء الفترة التدريبية ، فبعض الأقدار تهبنا جسوراً لهم كي يعبرون علينا من أجل الوصول لأهدافهم ، أو أهدافنا المسلوبة إن صحّ التعبير.
ما يقضّ  مضاجع جوقة من البشر هو المجهول ، نعم المجهول ، فتخيّل نفسك تسير في نفقٍ مظلم أو و أنت معصوب العينين ، حتماً ستسير و أنت في غاية الذعر و التوجّس ، فلا تعلم ما قد يعترض طريقك أو ما قد ترتطم به أو تقع فيه . فأنت نعم تسير ، لكن إلى أين ؟! لا تعلم ، و متى الوصول ؟! لا تعلم أيضاً .
إنه التِّيه يا أصدقاء ، فمبدأ المكافأة بعد الإنجاز غائب ، و مبدأ إزاحة الأسوأ و إتاحة الأكفأ غير موجود ، و تظل الأسئلة الكثيرة حائرة في العقول ، و تظل الآهات المُتَّقِدَة حبيسة الصدور. و لا ندعو إلا بدعاء مَن كانوا قبلنا :  }رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا  {
يساورني شعورٌ بالحزن عندما أتذكّر أن هنالك حفنة من الأساطين الذين يقبعون في بقعٍ يعتريها الظلام الدامس ، خلف حواجز اسمنتية تجعلهم بمعزلٍ عن منصّات الإبداع التي يرومون اعتلائها ، و في مخبأ عن الأضواء التي يستحقون اعتناقها .
بل أن الكثير منهم لا يجد مَن يقول له كلمة "مبدع" ، و هي الكلمة التي لا تحمل فضلاً أو مديحاً ، بل هي وصف مستحق لهم. و في المقابل ، نجد أنصاف المبدعين يحظون بالتلميع و تسليط الأضواء عليهم و عرض تجاربهم بشكل مرئي و مكتوب و كأنها تجارب الفاتحين .
كثيرٌ من الطامحين و المُبدعين تكسَّرت أحلامهم على صخرة الواقع بسبب الواسطة و المواربة و عدم تكافؤ الفرص ، و انتابتهم حينها حشرجة الموت . كيف لا ينتابهم ذلك و هم يرون طموحاتهم التي هي كل حياتهم تُسَلب أمام أعينهم دون هوادَة ، و هم غير قادرٍين على الحِراك و لا على الكلام ، و لا على التنفّس أحياناً ؟!


ليست المحال و الأراضي و العمارات وحدها التي تتعرَّض لـ (الاكتراء) ، بل حتى الكثير من المواقف و المبادئ و الضمائر دون حياءٍ أو جَمجَمَة. إنها الهوَّة التي تغور فيها القيَم في سبيل المصالح.

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الإنجاز قد يبدأ بقطعة حلوى..!!




يعتبر البعض مفردة "إنجاز" دلالة على شيءٍ عظيم و عصيّ ليس بمقدور الكل ملامسته . فالإنجاز في نظرهم حكرٌ على فئة معيَّنة من الناس ، يتمتعون بقدراتٍ فائقةٍ ، و عقولٍ ناصعةٍ ليست في متناول الجميع ، و هذا ما يزرع اليأس المُبَكّر و يصنع حواجز الإحباط في نفوس هؤلاء البعض . لكن في واقع الأمر ، فإن الإنجاز في مفهومه العام يُعبِّر عن أي شيء يُنجزه الفرد بشكلٍ جيّد يجد الرضى و الإستحسان في نفس مُنفّذه و في نفوس متلقيه. ففنجان القهوة المُمتع يُعبّر عن إنجاز ، و قطعة الحلوى اللذيذة تُعبّر عن إنجاز ، و معطف الصوف الأنيق يُعبّر أيضاً عن إنجاز.
الإنجاز قد يبدأ صغيراً لا يُرى ، لكن مع الإصرار و العزيمة و الطموح قد يصبح عظيماً و أبلجاً ، فكثير من مشاريع الكوفي شوبز الضخمة و المنتشرة الفروع في أصقاع العالم بدأت بفنجان قهوة أعدّه شخصٌ مُغرَم بصنع و شرب القهوة ، و كثير من محلات التنسيق و الهدايا نجحت لعشق صاحبها التنسيق و التغليف و التزيين ، و كثير من محلات الحلويات و الكيك نجحت أيضاً لهواية صاحبها إعداد الحلى و الكيك. كل ما سبق من المشاريع بدأت بهواية أو عشق لشيء ما ، و سرعان ما أشعل هذا العشق فتيل الفكرة في رؤوس القائمين عليها و حوَّلوها من متعة و هواية شخصية لا تتعدى محيط الغرفة أو المكتب أو المخزن ، إلى فائدة تجارية و إنجاز جُيِّر بأسمائهم تعدى المكان و الزمان ، و متعة و فائدة أيضاً للغير و المتمثلين في زبائنهم.
و لنقس على ذلك الكثير من المشاريع التي بدأت و نجحت و استمرّت من واقع هواية ملّاكها لنشاطاتهم ، كالمطاعم و الورش و استوديوهات التصوير و محلات الخياطة و غيرها.
في أحيانٍ كثيرة ، لا يُمكن أن يُقاس الإنجاز بحجمه ، بل بنوعه و كيفيته و مدى إضافته و كمية إبداعه ، فنجد أن هنالك الكثير من المشاريع البسيطة التي تحظى بأفكار خارقة و قدرة على التطوير و الوثب الطويل ، بينما هنالك مشاريع عملاقة تعتريها التقليدية و الروتين الذي حجَّمها و قولبها و جعلها غير قادرة على الحِراك.
بعض البشر لم يسمح لتجاربه البسيطة أن تصل لمرحلة الإنجاز و سرعان ما حرمها النور و قتلها في مهدها بسبب عدم نجاحها في بداية المحاولات و بسبب المثبطين الذين نزعوا من عليه سُترَة الأمل ، فنجده استسلم للفشل و التقهقر ، و انكفأ على نفسه مغلقاً أيَّ بابٍ للمحاولة.
بعض الإنجازات لا يمكن توارثها ، فنجد أن هنالك مشاريع ضخمة أعلنت إفلاسها بسبب إنتقال إدارتها للورثة أو لإدارة أخرى غير ناجحة ، و في المقابل ، نجد أنَّ هنالك بعض المشاريع خرجت من رحم المعاناة بولادةٍ متعسّرة ، لكن هذا ما منحها الصبر و الثقة و الثبات ، فالفشل عند البعض هو آخر المطاف ، لكن ذات الفشل عند البعض الآخر هو رصيد متراكم من التجارب يصبّ في محيط الخبرة.
بقي أن أشيد بدور المرأة في الكثير من النجاحات في عالم المال و الأعمال ، فقد قرأتُ قصص نجاحٍ كثيرة كان للمرأة الدور الأكبر في تبنّيها و دعمها إما بالمال أو التحفيز أو كليهما ، و لعلّي أورد بعضاً منها باقتضاب للإستشهاد بها .
- في العام 1958 م بدأ الأخوان الأمريكيان دان و فرانك كيرني مشروعهما الصغير بـ 500 دولار من والدتهما ، و كان لهذا المبلغ الزهيد الأثر الكبير في افتتاح مطعماً للبيتزا . حظي هذا المطعم بإقبال ممتاز ،  و سرعان ما انتشرت فروعه في كافة الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى وصلت إلى جميع أنحاء العالم . إنه (بيتزا هت).
- و في العام 1924 م بألمانيا ، افتتح الأخوان أدي و رودي داسلر متجرهما الأول لبيع الأحذية في غرفة الغسيل المحاذية للمطبخ التي تبرّعت بها والدتهما أيضاً كي يرى مشروعهما الأول النور. لاقى المحل رواجاً جيّداً ، لكن لعدم اتفاق الأخوين فكرياً قررا الإنفصال ، فافتتح آدي داسلر (أديداس) و هو مشتقٌّ من اسمه الأول و الثاني ، و افتتح أخيه (بوما) و هما اليوم من أشهر الماركات العالمية في مجال الملابس و الأحذية و المستلزمات الرياضية.
- بودّي أيضاً أن أردف قصة الأميركي ستيفن إدوين كينج كاتب قصص الرعب الخيالية و الذي حققت مبيعاته أرقاماً مليونية. عاش ستيفن بدون أب في صغره لأن والده تركه مع أمه و أخيه الأكبر بالتبنّي و هرب ، فأخذت الأم تعمل طاهية في مؤسسة خيرية لذوي الإحتياجات الخاصة كي تصرف عليه و أخيه ، و تفرّغ هو لدراسته و هوايته الأثيرة ، و على الرغم من أنه تعرّض لعدة أمراض من ضمنها إرتفاع ضغط الدم و ضعف البصر و ثقب في طبلتي الأذن ، و من ثَم تعرّضه لحادث سير في العام 1999 م تهشَّمت على إثره عظامه و كاد أن يخطف بصره ، إلا أن كل ذلك لم يُثنه عن مزاولة إبداعاته و إنجازاته ، فقد قضى فترة بقائه في المستشفى في كتابة روايته ( The Plant) ، و طرحها في عالم الإنترنت كي تكون في متناول القرّاء مقابل دولارٍ واحد للتحميل.
بعض الإنجازات تكون ومضة في بدايتها كي تكشف لنا أول الطريق ، فتتحوّل إلى شمعة تضيء لنا مجمل الطريق ، فتتحوّل إلى شمس تنير لنا كل حياتنا دون أن تغرب.