الأحد، 23 أكتوبر 2011

إذا كان للمرأة قيراط ٌ.. فللرجل 24 قيراطاً !!






[ من الأرشيف ]- 24 يونيو، 2011‏

أكتب إليكِ يا سيدتي، و إن لم أكتب لكِ فمن يستحق الكتابة في هذا الوجود ؟!.. يا مَنْ تستحِ الكلمات عند لقائك ، و يا مَنْ تذوب الحروف عندما تُنقَش في سمائك ، و يا مَنْ تعجز العبارات في وصف عطائك .

يا كتلة المشاعر، و يا وطن الأمان، يا عشب الضمائر، و يا شلَّال الحنان، يا طوق الحب، و يا زحمة الدفء، يا فيض القلب، و يا رعشة البرد. 

أُقَدِّم لكِ خالص إعتذاري عن جهل بعض الرجال الذين أنتمي إليهم  و الذي يجعلهم لا يعرفون من أنتِ و كيف أنتِ ، جهلهم الذي يجعلهم يتهوَّرون و يُقْدِمون على خطوة هي بمثابة غرس الخنجر المسموم في صدرك المخلص ، خطوة يظنونها الراحة و السعادة و التغيير ، و ما دروا أنها المشقة و التعاسة و التشتيت ، إنه الزواج الثاني الذي أراه بركاناً محموماً قد يثور في أي أسرة ، و عاصفة هوجاء قد تجتثُّ جذور الاستقرار فيها ،  و طريقاً دحضاً لا يَأمَن مَنْ يسلكه .
كم أنت مُجحِف أيها الرجل و أنانٍ و كثيراً ما تستغل صلاحياتك لصالحك أنت ضارباً بمشاعر غيرك عرض الحائط ، فكيف تشرع في الزيجة الثانية فقط إرضاءً لرغباتك ؟! 

أ نسيت أنها لا ترى إلَّا رسمك و لا تسمع إلَّا صوتك و لا تستنشق إلَّا نَفَسَك ؟!.. أ نسيت أنها تعشق الأكل من طبقك و بملعقتك و الأحلى أن تكون اللقمة ملمومة بين أصابعك كي تكون سائغة أكثر في فمها ؟!.. أ نسيت أن من أمانيها أن تشرب معك من كوبٍ واحد ؟!..أ نسيت  أنها تنسى نفسها و لا تنسى ذكرى يوم ميلادك ؟!.. أ نسيت أنها كانت تقترض المال أحياناً كي تُأمِّن لك هدية في هذا اليوم و تفاجئك بها و كي تجلب كعكة تحمل صورتك و عشاء فاخر يتوِّج تلك الليلة ؟!.. أ نسيت قصاصات الورق الصغيرة التي كُنتَ تراها على مرآة التسريحة عندما تتأهب للخروج  أو على باب المنزل حين خروجك صباحاً أو في السيارة عندما تكون لوحدك و التي كانت تحمل أرق و أزكى العبارات ؟!
أ نسيت باقات الورد الأحمر .. و الحياة التي كانت بطعم السكر ؟! و ذاك المبخر الحديدي المشغول .. الذي يفوح برائحة العود و العنبر ؟! والشمع الوضّاء .. الفواح ليلاً .. بريحه و نوره الشاعري الأصفر ؟! 

ما أصعب أن تَراك يوماً و لا تراك آخر، و تأكُل معك يوماً و دونك آخر، فبعد أن كنت مساحةً شاسعةً تمتلكها هي وحدها، اخترتَ أن تُدخِل معها شريكاً آخر.
إذا كان الطفل يرفض المشاركة في لعبته، و الشاب المراهق يرفض المشاركة في سيارته، و الفتاة اليافعة ترفض المشاركة في أشياءها أو العبث في خزانتها، فكيف تطلبون من المرأة أن تقبل بأن تشاركها ضرة في حياتها ؟!
عزيزي الرجل.. ربما أنت قادر أن يكون لك بيتٌ هنا و بيتٌ هناك، و زوجةٌ هنا و زوجةٌ هناك، و أطفالٌ هنا و أطفالٌ هناك، و ثيابٌ هنا و ثيابٌ هناك، و عطورٌ هنا و عطورٌ هناك.
لكن ..
هل أنت قادر على أن يكون لك قلبٌ هنا و قلبٌ هناك، و عقلٌ هنا و عقلٌ هناك، و عدلٌ هنا و عدلٌ هناك !!.. هل أنت قادر على التحول النفسي و العاطفي السريع عندما تنتقل من هذه الزوجة لتلك ؟!.. هل ستشعر بالخصوصية التي يبحث عنها كل رجل في هذا الشتات الذي اخترته لنفسك ؟! 

هل تخيَّلت نفسك مكانها ؟ ، ماذا لو فَضَّلَت عليك رجل آخر دون سبب مقنع ؟ هل ستشعر بالنقص ؟؟ هل ستهتز ثقتك بنفسك ؟؟ هل سيتأثر الكبرياء الرجولي ؟ هل سيُخدَشُ الشموخ  ؟.. لِمَ تعطِ لنفسك ما تسلبه من غيرك ؟!
ماذا عن أطفالك ؟!.. و كيف هي مشاعرهم تجاهك عندما تُفضِّل بعضهم على بعضٍ ؟! و كيف ستكون مشاعر أبناء هذه الزوجة تجاه أبناء الزوجة الأخرى ؟!..
ماذا عنك أنت ؟!.. هل وجَدتَ ضالتك ؟؟ و هل أنت مرتاحٌ فعلاً بعد كل هذه السنوات من زواجك الثاني ؟!
أسئلة كثيرة انتظر اجابتها منك يا ابن جنسي .

رائد البغلي

الخميس، 13 أكتوبر 2011

فلنجرب سلطة (( سيزر )) بالنكهة الخليجية ..!!

 [ من الأرشيف ] - 11 مايو، 2011‏

يبدو أنَّ عمليات التجميل و القصّ و اللصق التي تُجرى على ملامح الخريطة الخليجية ستتيح لنا نحن معشر الرجال مساحة أكبر للتغيير في الرداء ، و التحرُّر من الزي الرسمي الموحَّد الأثري و المُتَوارث على مَرّ التاريخ و الذي سئمناه فعلاً.


التغيير الحالي سيجعلنا قادرين على الذهاب لأعمالنا صباحاً و نحن مرتدين الغترة و العقال على طقم بذلة Gucci  أوArmani ، و في اليوم الذي يليه نرتدي الطربوش الأحمر فوق الثوب "الدشداشة" ، و في آخر الأسبوع نرتدي الإزار الذي سيُبَرِّد علينا حرارة الصيف المُحرِقة . 

أيضاً سيتيح هذا التغيير فرص إقامة عروض أزياء رجالية خليجية مكثَّفة ، و سيعطي مساحة أكبر لمصممي الأزياء كي يبتكرون أزياءً تناسب الأذواق المتعددة للخليجيين ، و ستنتشر دور الأزياء الرجالية و تتاح فرص عملٍ كثيرةٍ لمبدعي التصميم و التفصيل.


انضمام الأردن و المغرب لدول الخليج قد يسهم في النظر بعين الرأفة لأصحاب القلوب الخضراء الذين يعشقون السفر لإمتاع النظر بالخضرة و الماء و الوجه الحَسَن ، و تخفيض أسعار التذاكر و الفنادق و المنتجعات السياحية و السلع التجارية التي تُستَحدث لها قوائم أسعار خصيصاً للخليجيين في معظم الأحيان ، مع العلم أنَّ هذه القوائم مُفنَّدة في أساسها ، لكن قد تُحدث الخطوة الأخيرة تغييرات جذرية على كافة الأصعدة .


أقترح أيضاً ضَمّ الهند و الصين لدول مجلس التعاون ، حتى يصبح اسم المجلس حينها ( مجلس التعاون الخليجي الافريقي الآسيوي المشترك ) ، و لذلك فوائد جمَّاً أيضاً ، منها : أننا سنتعرف على الحضارة التاريخية و الثورة الصناعية في الصين ، و نستفد من التداوي بالأعشاب و الطب الشعبي الصيني و الإبر الصينية إن لزم الأمر، و سنتعلم من الثورة التقنية الحاسوبية في الهند ، و نجلب لزوجاتنا و أمهاتنا و أخواتنا زيوت شعرٍ هنديةٍ معتبرة تسهم في ترميم أنواع الشعر التي أرهقها الشامبو المضروب و الإستشوار ، كما سنحاول القضاء على مشكلة الصلع لدى الرجال ، و سنَنعَم بكثافة سكانية عالية  لانضمام الهند و الصين لمجلس التعاون بحكم أن هاتين الدولتين الأعلى من حيث عدد السكان في العالم على التوالي ، و يصبح الخليجيون يمثّلون ربع العالم ، و لا أنسى الأهم ، و هو أننا سنقترب أكثر من المطبخين الصيني و الهندي ، و بدلاً من منال العالم و الشيف أسامة السيِّد ، سوف نشاهد على الشاشات الخليجية طهاة من الهند و الصين ، و ستتعلم زوجاتنا الطبخ بلغات مختلفة ، و الشَرِهون سيجدون أنواعاً جديدة من الأطباق و طرق مختلفة من التسبيك و التتبيل ، و أصحاب الحمية لهم حظاً جيداً في أنواع السلطات الجديدة و المبتكرة . و قد تهجر الفضائيات الخليجية الأغاني الخليجية و العربية و تستورد لنا ألواناً غنائية جديدة من الهند و الصين كما فعل عبدالحسين عبد الرضا في (( بساط الفقر )) قبل أكثر من 25 عاماً عندما عرض لوحات غنائية للعديد من الدول من بينها الهند ، و كأنه في حالة تنبؤ بمستقبل الخليج و ما سيئول إليه الحال ، و أعتقد أنَّ هذا الأمر سوف ينعكس بشكل مباشر على مسألة التهجين البشري ، و نجد أنفسنا تزوجنا بالهندية و الصينية و المغربية و الأردنية ، و كلٌ له عذره في مسألة التهجين ، فمن سيقدم على الزواج بالهندية له أسبابه ، و من سيقدم على الزواج بالصينية له أسبابه أيضاً ، و كذلك المغربية و الأردنية و غيرها من الجنسيات .


بادرة طيّبة و هي انضمام دول أخرى لمجلس التعاون الخليجي كي يسهم المجلس في حل و دعم مشاكل هذه الدول الاقتصادية و التنموية و الاجتماعية ، لأن دول الخليج الحالية وصلت بشعوبها لمرحلة الاكتفاء الذاتي ، و لا تعاني من أية مشاكل ، فلا يوجد فقر و لله الحمد ، و لا يوجد من لا يمتلك بيتاً ، و لا نرى معسراً أو من أهل المتربة في شوارع أوطاننا و عند الإشارات المرورية ، و بالتالي التفتت- أي دول الخليج - للدول الأخرى كي تعالج قضاياها و تمُدّ لها يد العون و المساعدة .


يبدو أنَّ هذا الدمج من صالحنا ، فيتضح مما سبق أنه يحمل الكثير من الإيجابيات التي ستعود على شعوب المنطقة ، إذاً أنا مع هذا التغيير قلباً و قالباً ، و بانتظار انضمام دول جديدة ، و لكن حذارِ من أن تُضَمّ دولة بمحض الخطأ في معمعة تبديل المواقع على طاولة الشطرنج الخليجية ، و تكون دولةً ذات مصالحٍ تتعارض مع مصالح دول المجلس ، أو لها أطماع خفية في المنطقة ، حذارِ .. ثم حذارِ . 

في النهاية ، لا نملك إلا أنّ نقول : (( خليجنا واحد .. و شعبنا واحد  ))


رائد البغلي 
 

نكرهك يا دكتور حسام !!



أتذكر في بداية أحد الفصول الدراسية الجامعية ، إذ بدأت تتوافد علينا وجوه الدكاترة الجديدة ، منهم أبناء الجلدة السعودية و منهم العربية و منهم الأوربية ، و كالعادة ، و مع أول إطلالة لأي دكتور ، بدأنا في التخمين و التحليل  حول شخصيته : قوية ، متوسطة ، ضعيفة .. تعامله : لطيف ، معتدل ، جاف .. أسلوبه خارج نطاق الدروس : جاداً أم مازحاً ، و الأهم من هذا و ذاك ، طريقة شرحه : مفهومة ، (( مشّي حالك )) ، غير مفهومة على الإطلاق !!


من ضمن الدكاترة الذين قرروهم علينا دكتور سعودي اسمه الدكتور حسام ، شاب و خريج جامعة أوروبية ، و منذ بداية دخول هذا الحسام علينا لم نستسغه و لم نتقبله بتاتاً ، و لمسنا فيه الحس الطاووسي ، و بدى عليه التكبُّر و التعظُّم ، و ما أزعجنا أكثر هذه التكشيرة التي لا تفارق محيّاه !! ما أتعس حظنا و ما أسوء طالعنا ، هل سنقضي مع هذا الشخص فصل دراسي بأكمله و في مادة حساسة ؟! سترك يا رب من الخفي . أيضاً نحن كشباب نحب الدكتور المرن الذي يبادلنا المزاح و الضحك خارج أوقات الشرح ، أو يلطّف الشرح ببعض التعليقات الفكاهية الخفيفة  التي تضفي على الجو العام للمحاضرة الخفة و تزرع قبول الدرس في نفوس الطلبة ، لكن يبدو أن صاحبنا ليس من هذا النوع .


مرت الأيام و نحن نتحاشى أي صدام مع هذا الدكتور الذي كنا نتوقع منه أن يباغتنا بهجوم مفاجئ ينال أياً منّا مع أشبه فرصة قد تكون مواتية بالنسبة له لتأخير أو عدم حل واجب أو عدم مشاركة ، و كل طالب كان يتنصّل من هذا الاحتكاك تحاشياً من أن يكون هو الضحية الأولى الغير مذكاة التي نجرّب فيها أسلوب حسام التوبيخي عليه ، و في إحدى المحاضرات ، كان الدرس يحتوي على مصطلحاتٍ جديدة في اللغة الإنجليزية ، و سأل الدكتور : ما معنى كلمة :Crawl يا شباب ؟! ، ربما كان البعض يعرف معناها و البعض الآخر لا يعرف ، و لكن الأهم في الموضوع ، أن الدكتور طرح السؤال على طريقة (( أنا أسأل و أنا سوف أجيب )) ، و ما صعقنا هو طريقة تعريف الدكتور بالمفردة . فجأة ، و بدون سابق إنذار ، رأينا دكتورنا المتعجرف المتكبر النافش لريشه كما الطاووس ينزل و يحبو في القاعة الدراسية على يديه و ركبتيه لبعض الوقت ، و هو يرتدي ثياباً بيضاء سريعة الاتساخ ، يا للهول ، يا للصاعقة ، خيّم علينا الصمت الموحّد ، و كلنا جحضت عيوننا في هذه اللحظة و كادت أن تخرج من محاجرها ، الدكتور حسام يحبو في القاعة ، كل هذا من أجل إيصال لنا معلومة أن معنى كلمة : Crawl هو : يحبو !!


ألم يستطع الدكتور حسام أن يسأل عن معنى هذه المفردة و يجعل أحد الطلبة يجيب ؟؟ أو إذا كان يريد أن يجيب هو بنفسه أما كان قادراً أن يجيب بشكلٍ شفهي و يحمي نفسه من هذا الموقف الذي قد يختلف في تفسيره الكثيرين و ينقذ ثيابه البيضاء مما نالته ؟!.. ترى ماذا دفعه للإقدام على هذا التصرف ؟!..
من المؤكد هو إخلاصه الكبير و رغبته لإيصال معنى هذه المفردة بطريقة واضحة مهما كلفه الأمر ، فرأى أن ينحني و يتلقى الأرض بيديه حابياً في سبيل ايصال معلومة تحمل فائدة لهؤلاء الطلبة حتى لو كانت على طريقة شارلي شابلن ، إضافة إلى ذلك تواضع هذا الرجل الكبير الذي جعله يقوم بهذا التصرف دون أي تردد أو تفكير في كيفية تفسير هذا المنظر و ماهية النظرات التي حاصرته حينها ، فرفعه الله لتواضعه درجات ، و أصبح حديث الطلبة ، و أصبح الكل يُجلّه و يحترمه لأنه يمتلك هذه النفس الرائعة .


يجب ألا نتسرع في إطلاق الأحكام على الناس من باب التخمين ، أو من موقف أو موقفين أو حتى عشرة ، و يجب أن نأخذهم على أكثر من محمل ، فكثير من الأحكام اطلقت ظلماً على كثير من الأشخاص ، و في النهاية يتبين لنا أننا مجحفين كل الإجحاف مع هؤلاء .


شكراً من الأعماق دكتور حسام ، و آسف جداً لأنني قد أكون أسأت فهمك يوماً .. و من المستحيل أن أنسى هذا الموقف أو أنساك ما حييت .

ماذا لو كنتَ مسؤولاً ؟!

[ من الأرشيف ] -  17 أبريل، 2011‏

 أحمد الله كثيراً ، و أثني على فضله ، بأن لم يجعلني رئيساً أو وزيراً أو ذا منصبٍ سياسيٍ رفيع ، ليس انتقاصاً أو قدحاً في هذه الطبقات ، و لكنه تنصّلاً و انكفاءً عن المسئولية التي تثقل الكاهل و تحدب الظهر ، فلا أحب فلاشات و أضواء السلطة الخاطفة للأبصار ، و لا زينة قصورها التي تثير الخوف في نفسي كلما شاهدت ترَفها في التلفاز ، و رَمَقَت عيني تلك التحف الثمينة ، و الآثار الباهظة ، و الثريَّات النفيسة المنتشرة في أركانها هنا و هناك ، و على جدرانها و في أسقفها ، و التي أخشى مجرد التفكير في لمسها لمجرد اللمس ، حتى لا تقع مني عفوا و تقع معها الطامة !!

لا أهوى السلطة ، و لا أحبذ العيش في كنفها ، و لا الحبو على بلاطها ،  و لا المشي على سجادها الأحمر الفاخر ، ولا الخروج مع حاشيتها الذين أفارق ظلي عند المغيب و لا أفارقهم ، و لا الخضوع لطوق  حراستها ، و لا السير بسيارة فارهة يقودها أحدهم ، و تتبعها مئات السيارات ، و لا الجلوس في المقصورات الرئيسية ، و لا التربُّع على موائد مدادها أمتارٌ دون أن أمَسَّها .

أعشق التلقائية و العفوية ، و أعشق الخروج متى ما أردت ، و مع مَنْ أحببت ، و أكره أن يُملي علَيَّ أي منصبٍ بروتوكول معين ، أو بريستيج مقنن ، كما أكره الالتزام بجداول المؤتمرات و المراسم أياً كان نوعها ، و لا أحب السفريات المفاجأة التي تسهم في ارباكي و توتري ، و لا أحب أن يحمل عني أحداً أغراضي و مقتنياتي الشخصية و يفتحها و يعبث بها و هو من يقوم بتعليقها و ترتيبها .

أكره السلطة و النفوذ لأنني لا أضمن ما سوف أغدو إليه ، و ما سوف أكون عليه حينها ، ليست عدم ثقة بالنفس بقدر ماهي عدم ضمان نوعية البيئة العملية التي سوف أُركَنُ إليها ، فلا أريد أن أَزِرَ وِزرَ أحدٍ ، و اتسبب في ايقاع ظلمٍ عليه ، سواءٌ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ ، أو بقصدٍ أم بغير قصدٍ .

هناك سؤالٌ تبادر إلى ذهني مراراً ، و أجزم أنه تبادر إلى ذهن الكثيرين غيري ، و هو :
ماذا لو كُنتُ مسئولاً ؟!.. ماذا سأفعل ؟!
و من المؤكد و عطفاً على الظروف السياسية الراهنة أن الإجابات كلها ستصب في مجرى سيادة العدل و نصب القسط و إحقاق الحق و رفع الظلم ، و هذه الأهداف بالاستناد إلى الفطرة البشرية الطيبة ، فلا أحد يولد شريراً أو مجرماً أو لصاً ، فالكل نَعِم ببراءة الطفولة ، لكنها البيئة التي تُكَوّن البشر مثل العجينة ، و تُلَوّن سلوكياتهم بألوانها المتعددة و المتدرجة .

هناك أمرٌ هام لا يجب إغفاله ، و يجب التغلغل فيه ، وهو أن ليس بالضرورة أن يكون كل من يمسك زمام السلطة فاسداً أو عديم ذمةٍ و ضمير ، بل أن كثير ممن اعتلوا هرم السلطة كانت لهم مخططات إيجابية كثيرة ، و كانوا ينوون الإصلاحات ،  و إقامة المشاريع التحسينية ، لكنهم اصطدموا بصخرة الواقع الصلبة ، و لم يستطيعوا تنفيذ حتى 10% مما كانوا ينوون تنفيذه ، لأن النظر للسلطة عن بُعد شيء ، و الاقتراب منها و مقارعتها شيء مختلف تماماً ، فكثيرٌ من الأشياء نراها وردية عندما تفصلنا عنها المسافة ، و ما إن نقترب منها إلا و نجدها سوداوية معتمة. فلا تخلو قائمة المسئولين ممن يضمرون الخير ، و تهمهم مصلحة الأوطان ، و دفع عجلة التنمية الاجتماعية للأمام ، لكن هناك تيارات مضادة لهم من أصحاب المصالح الشخصية التي تتعارض مصالحهم مع المصلحة العامة ، و هناك من يضع العصى داخل هذه العجلة كي يوقف دورانها . و في الضفة الأخرى ، هناك من يطلق الوعود ، و يمني الناس بالأماني ، و يجعلهم يطيرون محلقين بين الغيوم و مع العصافير من أجل معانقة الأحلام التي نسجها لهم هذا الشخص بوعوده ، و ما أن ينال أصواتهم الانتخابية و ينجح ، إلا و تتبخر وعوده و تذهب أدراج الرياح ، و يتغير بتأثير السلطة و انتقاله لعالمها الجديد المغاير تماماً عن عالمه السابق .

من سيستغل السلطة لأهداف شخصية خبيثة يترتب عليها ظلم العباد ، يجب أن يعي أنه بدأ بظلم نفسه التي سيلحقها ظلماً أشد من الآخرين ، فظلم الناس قد يعوضهم الله عنه في الدنيا أو الآخرة لصبرهم و احتسابهم ، و لكن ظلمه لنفسه من سيعوضه إياه ؟!.. و لنا في التاريخ المطموس أشد العِبَر فيمن ظلموا أنفسهم و نالوا ما يستحقون من القدح و اللعن و التنكيل ، و لكن ما أكثر العِبَر و ما أقل المُعتبرين .

رسالة إلى أخي و صديقي و زميلي و ابن وطني !!




[ من الأرشيف ] - 08 أبريل، 2011

 أخي الحبيب ، و صديقي الجميل ، و زميلي الغالي ، يا من جمعتني به أروع اللحظات ، و أجمل السويعات
أسعد الله أوقاتك بالخير و المسرّات

كم اشتقت إليك و لا أجد ما يعبّر عما اكتنزه من شوقٍ عارمٍ بين أضلعي ، و لا زلت أتذكر أيام طفولتنا الخالدة سويةً و شقاوتنا و لعبنا ، و بين الفينة و الأخرى ترتسم على شفاهي ابتسامة تلقائية و السبب عبور أي موقف أتذكره من تلك الطفولة الصافية ، لا زلت أتذكر زمالتنا في المرحلة الابتدائية و تلك المواقف و المقالب و المشاكسات ، أ تذكُر عندما أوقفني مدرّس الرياضيات ذات مرةٍ كي يسألني في أحد الحصص فلم أعرف الإجابة ، فإلتَفتُّ عليك و وجدتك غارقاً في نوبة من الضحك ؟!.. أ تذكُر عندما كنت آتي أحياناً المدرسة و أنا لم أقم بحل الواجب المنزلي و آخذ منك كراستك و أحل الواجب سريعاً و كيفما اتفق قبل مجيء الأستاذ حتى أنجو من حسم الدرجات و التوبيخ ؟!.. أ تذكُر عندما كنت أنت تأتي للمدرسة متأخراً صباحاً و يوبّخك المرشد الطلابي و يجعلك تقف على ساقٍ واحدة جزاءاً و ردعاً لتأخيراتك المتكررة ؟! أ تذكُر عندما كنت تنسى مصروفك أحياناً و أقاسمك فطوري الذي كانت تعدّه لي والدتي ؟! أ تذكُر عندما كنًّا نخطط في بعض الأيام لتسلّق سور المدرسة في وقت الراحة من أجل الإفطار في الكافيتريا المقابلة للمدرسة تمرّداً منَّا على ما يُباع في المدرسة من وجباتٍ لا تروق لنا ؟!       أ تذكر في حصص التربية الرياضية عندما يُقسّم الأستاذ طلاب الفصل إلى فريقين و نُصِرّ في كل مرة أن نكون أنا و أنت في فريقٍ واحدٍ ؟!
أ تذكر في ذكرى اليوم الوطني للمملكة ، عندما طلب مُدَرّس التربية الفنية من كل طالبين أن يرسما سوياً لوحةً مُعبِّرةً عن هذه المناسبة الوطنية الغالية على قلوب الجميع ، و رسمنا أنا و أنت علم وطننا الغالي السعودية بلونيه الأخضر و الأبيض ؟!.. الأخضر هذا اللون الذي يدل على العاطفة و التعاون ، هذا اللون الذي يعكس الطبيعة و النمو و الحياة ، و الأبيض الذي يدل على العزيمة و يرمز للفكر الواضح و الحر ، و بعدما انتهينا من رسمها أُعجب بها المُدَرّس و طلب منا أخذها كي يعرضها في لوحة التربية الفنية ؟!

كنّا صغاراً ، لم نكتسب أي رصيد فكري عدائي ، أو موروث بغضائي ، و لم تلوثنا الطائفية النتنة بملوثاتها . مرت الأيام و انتقلنا إلى مراحل دراسية متقدمة يا صاحبي ، و فرقتنا الصفوف الدراسية بعدما جمعتنا و أسهمت في بناء أبراج عملاقة من المشاعر الجميلة و الذكريات الرائعة التي لا زالت مطرزة في الصدور ، و لكن الفرقة أسهمت في إضعاف علاقتنا برغم إصرارنا على التواصل في بداية الأمر بالاتصالات ، و لكن الأيام و هيمنتها بددت تواصلنا بشكل تدريجي .

و بعد عدة سنوات ، حدثت المفاجأة الغير متوقعة ، وعدت و التقيت بك مجدداً ، فبعد أن جمعتني بك مقاعد الدراسة يوماً ، ها هي تجمعني بك مقاعد الوظيفة من جديد ،  و نبش هذا اللقاء في أرض الذكريات ، و أجج مشاعر الصداقة و الأخوة العتيقة ، و ظننتك أنت كما كنت ، و لكن ....!!

سررت يا صاحبي لأنني التقيتك مجدداً كي نسترجع ذكريات الطفولة ، و نستعيد مشاغبات الدراسة ، و حزنت جداً بعدما لمست فيك التغيير الكبير ، فوجدت من هو أمامي شخص مختلف تماماً عن الذي عهدته ، لمست فيك تفكير الرجل المخالف المتشدد ، بعكس ما كان عليه الطفل التلقائي المرن ، فبعدما كنت تشاطرني الفطيرة صباحاً ، صرت الآن تتمنع و تخشى أن تشرب من دلة القوة و تأكل من صحن التمر الذي أجلبه كل يوم إلى مقر العمل ، و بعدما رسمنا علم الوطن في ذكرى اليوم الوطني صغاراً ، أنت اليوم تطعن في وطنيتي و تشكك في ولائي لوطني .

عجبي من بعض الدول كالهند ، التي تحتضن ديانات و قِبَل و آلهة كثيرة ، و برغم ذلك نجد الألفة فيما بينهم ، و الوحدة و الانسجام و التعاون و العمل المشترك و التجارة الواحدة ، و نحن ديننا واحد و قبلتنا واحدة و إلهنا ، و نجد الفتن بيننا ، و الحروب المذهبية التي أدت للكره و البغض و دعوى البعض حتى لمقاطعة البعض الآخر حتى في تجارته و فيما يبيعه !!

أخي الحبيب ، يا من جمعتني به الطفولة و البراءة ، و اللقمة الواحدة ، و الفصل الدراسي الواحد ، و العادات و الزيّ الواحد ، و قبل هذا الدين و الوطن الواحد ، و الله و بالله و تالله أني أحبك في الله و لله ، و لا أحمل في قلبي عليك مثقال ذرةٍ من بغض أو كره ، فهل لنا أن ندرأ الفرقة ، و نسد باب كل ذريعة قد تشق عصى الوحدة الوطنية ، و نمقت الشتات ، و نسعى لتوحيد الصف ؟!.. هل لنا أن نعود أطفالاً كما كنا ؟؟.. إذا كان ذلك هو الحل فأهلاً بالطفولة الأبدية .


نفحات عطرة من سيرة القيادي و السياسي و الإداري و الإنسان علي بن أبي طالب عليه السلام

 [ من الأرشيف ] - 31 مارس، 2011‏


هناك شخصيات كثيرة على مَرّ التاريخ الإسلامي ، كان لها الأثر – أياً كان نوعه – في تغيير مسارات الأمة فيما تلاها – أي هذه الشخصيات - من حقب و عصور ، و شخصية كشخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يمكن اختزالها في مقالٍ صغير ، أو كتبٍ أو حتى مجلدات ، و لا يمكن أن تحصيها الأرقام و الحسابات ، ففي تصوري أن اختيار هذه الشخصية العظيمة للحديث و الكتابة عنها هو بحد ذاته أزمة صعبة الخروج لأي كاتب ، فمن أين تبدأ يا كاتب و إلى أين تنتهي ؟!.. فقد اخترت الغوص في المحيط العميق الذي لا قرار له ، و قد اخترت الدخول لمدينة العلم التي لا نهاية لها .

هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، إبن عم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ، و أول من آمن برسالته و اعتنق دينه و صلى معه .

ولادة الإمام علي :
ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ولم يولد في البيت الحرام سواه قبله ولا بعده وهي فضيلة خصه الله بها إجلالاًله واعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته . و هو أول هاشمي يولد مرتين ( أي من أبٍ و أمٍ هاشميين ) ، فأبوه أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ، و أمه فاطمة بنت أسد بنت هاشم بن عبد مناف .

علمه و مناقبه :
استحالة أن تقرأ في أي علمٍ و لا تجد علياً متربِّعاً فيه ، ففي الطب و الهندسة و الرياضيات ، و المحاسبة و الاقتصاد و علم النفس و الاجتماع و الفيزياء و الفلك و الأدب و البلاغة و النحو ، و الكثير الكثير من العلوم التي لا حصر لها ، فالإمام علي عليه السلام أضاف للعلوم و ليس العكس .
هو أفضل هذه الأمة مناقباً و إخلاصاً و عقيدة و تديناً و جهاداً ، فلولا سيف علي الذي عرفه كل العرب لما قامت قائمة لهذا الدين ، فقد جاهد مع رسول الله في كل غزواته ما عدا غزوة تبوك ، و كان تخلفه عنها بأمرٍ من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، و قد كان الدرع الواقي للرسول ، و كان يذبُّ عنه في المعارك ، و في معركة أحد الشهيرة عندما انتصر المسلمون و أرادوا النزول من على الجبل للفوز بالغنائم و نهاهم رسول الله عن ذلك و لم ينتهوا ، فعاد الكفار من خلف الجبل بقيادة خالد بن الوليد كي يقلبوا الطاولة على المسلمين و يغيروا مسار المعركة من هزيمة و خذلان إلى عزة و انتصار ، حينها لاذ من لاذ بالفرار من المسلمين و لم يتبقى مع رسول الله الا علياً الذي كان يحامي عنه ، حينها جُرِح الرسول الأكرم في وجهه الكريم و كُسِرت رباعيته ، و بودي هنا أن أستشهد بهذه الأبيات للشاعر مصطفى فقيه الذي وصف ها هنا حال الصحابة في أحد :
ويوم أحد عرى اشياخهم هربا *** عافوا الجهاد وقالوا ربنا الهربُ
 ركبوا النياق خلافا هكذا فعلُ ***ان العروبة في مفهومهم هربُ
 اذا رأيت عقالا من عروبتهم *** ما عدت تعرف اين الرأس والذنبُ

للإمام علي مناقبٌ كثيرة ، و من أشهرها و أبرزها الشجاعة و الفروسية و التي لا يختلف عليها إتنان عاقلان ، و لا يستطيع نكرانها حتى أَلّدَ أعداءه ، فكان المبادر للبراز في حين تخاذل و خوف الكثيرين ، و من ضمن المواقف البطولية لأبا الحسن ، و التي أبت شمسها أن تغيب خروجه لعمرو بن ود العامري ليث العرب آنذاك و فارسها الهمام ، فعندما حفر المسلمون الخندق ، تمكن بعد ذلك مجموعة من جيوش المشركين من تخطيه ، و من ضمنهم هذا العمرو ، فأخذ يصول و يجول بفرسه ، و يختال تفاخراً و غروراً ، و يصيح في المسلمين : هل من مبارز ؟!.. فلم يجيبه أحداً خشية هذا الفارس الذي لا يُشق له غبار ، فلما يأس البروز ، أطلق هذه الأبيات :
ولقد بححت من النداء ** بجمعكم هل من مبارز  
ووقفت إذ جبن الشجاع ** بموقف البطل المناجز
إنّي كذلك لم أزل ** متسرّعاً نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة والسماحة ** في الفتى خير الغرائز
فقال الإمام علي عليه السلام : " أنا له يا رسول الله " ، فقال الرسول صلى الله عليه و آله و سلم خشيةً على الإمام علي : " اجلس إنه عمرو " ، فقال الإمام علي : " و إن كان عمرو " ، فأذن له الرسول الكريم و أعطاه سيفه ذو الفقار و ألبسه درعه و عممه بعمامته ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : " قد برز الإيمان كله للكفر كله " ((شرح نهج البلاغة 13/261، ينابيع المودّة 1/281)) ، فصاح الإمام :
لا تعجلنّ فقد أتاك ** مجيب صوتك غير عاجز  
ذو نية وبصيرة ** والصبر منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم ** عليك نائحة الجنائز
من ضربةٍ نجلاء يبقى ** ذكرها عند الهزاهز.
  
فنزل عمرو من على صهوةِ جواده فعقره ، فقاتله الإمام علي بقوة بأسٍ و رباطة جأش و أرجاه صريعاً ، فاشتعلت نوبة من صيحات التهليل و التكبير لهذا النصر .

إنسانية الإمام علي :
هي نقطة في بحر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ، فإليكم هذا المشهد ، فعند نزول عمرو بن ود من على ظهر جواده ، شرع في قطع رجليه الأماميتين – أي الجواد -  ظناً منه أنه بهذا التصرف سوف يرهب الإمام علي و يجعل الرعب يدُبُّ في قلبه ، و ما عرف من يكون مبارزه ، و ما أن بدأ الإمام قتال هذا الكافر الا و تعمّد قطع رجله ، مخلاً بذلك توازنه ، فسقط أرضاً منكسراً مذلولاً أمام قومه الذين كانوا يعوّلون عليه الكثير ، فقال له الأمام : قطعت رجلك كي تشعر بالألم الذي يشعر به فرسٌ مقطوع القوائم ، ما هذه التدفق الإنساني العظيم يا أبا الحسن ؟!

الحلم و كظم الغيض :
لا يوجد في عالم الحلم مثل أمير المؤمنين عليه السلام ، و أعود كي أستشهد بهذا الموقف بالرجوع لمبارزته لعمرو بن ودٍ العامري ، عندما هوى عمرو على الأرض بعدما قطع الإمام ساقه ، بصق هذا اللعين في وجه الإمام محاولاً استفزازه بالتعجيل عليه و قتله لكي يخلصه من هذا العار الذي وقع فيه أمام قومه ، فلم يستجب الإمام لاستفزازه ، و رأى الإمام أنه لو بادر بقتله لحظتها فإنه يكون قد قدَّم رضاه على رضا الله ، و اختار أن يتمشى على قدميه لبضع خطوات كي يهدأ واستغفر الله  ، و عاد كي ينفذ فيه أمره لله و على اسم الله . أيضاً عندما كان الإمام يخطب إحدى خطبه في مسجد الكوفة ، إذ خرج عليه أحدهم قائلاً : ما أبلغك يا علي و لكن ما أكفرك ، فأستل أصحاب الإمام سيوفهم لقتله ، فمنعهم الإمام و قال : (( مهلكم .. مهلكم .. إنما هي سبٌ بسب ، أو عفوٌ عن ذنب ، وأنا عفوت عنه )) .. طبعاً لو لم يَأمَن هذا الخارج على الإمام العقوبة لما أساء الأدب ، و لولا يقينه أن عهد الإمام كان عهد الحرية و الديمقراطية و العفو و التسامح لما تجرأ و تفوَّه بما قاله .

الاقتصاد في عهد الإمام علي :
في مجال التنمية الاقتصادية ، و سد باب حاجات الناس ، نجد نصاً موثقاً في الكثير من المصادر التاريخية أن علياً خاطب أهل الكوفة قائلاً: (ما أصبح في الكوفة أحد إلا ناعماً – أي مُرفَّهاً - ، وإن أدناهم منزلة ليأكل من البر، ويجلس في الظل - له مسكن - ، ويشرب من ماء الفرات) ، ففي عهد الإمام ودّع الناس الفقر و الجوع اذي عانوه في عهد من سبقه ، و أصبح أدناهم مرتبة يأكل البر و يشرب من ماء الفرات و يجد له مسكناً . و الكوفة في ذلك الوقت كانت ذات كثافة سكانية عالية جداً ، و تنوع في الأعراق ، و يقطنها أناسٌ من مختلف الأمصار ، فيها عربٌ من مختلف القبائل ، و فيها موالي أي عجم ، و فيها العسكريون و المدنيون ، و فيه مزيج من التوجهات و الأفكار ، و فيها من كان يحب الإمام ، و فيها من كان يناوئه.

السياسة في عهد الإمام علي :
في مجال التنمية السياسية ، كان أمير المؤمنين عليه السلام يُشجّع الناس على الإدلاء بآرائهم جهاراً ، و ألا يخشوا الاعتراض في وجه الحاكم حين خطأه ، و ألا يتعاملوا مع الحاكم بمنطق التملّق و التزلّف يقول :(فَلا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، ولا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ-أي عند أهل الغضب- ولا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ -أي بالمجاملة- ولا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ولا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ولا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي).
و كان عليه السلام يحمل قلقاً و هماً لاحتمال وجود فقراً في المناطق البعيدة عن مقر خلافته .

عدل الإمام علي بين كافة الناس بمختلف أديانهم و طوائفهم و أعراقهم :
لم يكن يُميّز الإمام بين مسلم أو يهودي أو نصراني في فترة خلافته ، بل كان جُل همه توفير الحياة الكريمة للناس بمختلف أديانهم و طوائفهم ، و ما سيأتي دليلاً على ذلك :
مرَّ شيخٌ مكفوف كبير يسأل -  أي يتسوّل - ، فقال أمير المؤمنين ما هذا؟

فقالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني!.
فقال أمير المؤمنين : استعملتموه، حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال .
حيث يؤكد الإمام في فقرات هذا العهد على تطبيق العدل والمساواة بين المواطنين، وحفظ حقوقهم المادية والمعنوية، وإن اختلفت أديانهم وتوجهاتهم، يقول : (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ، ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ).


* التنمية البشرية في عهد الإمام علي :
كان للإمام عليه السلام ثلاث توجهات رئيسية ، و هي :
1-    استنهاض الإنسان ليقوم بأدواره الأساسية في الحياة على أكمل وجه ، و إثارة دافع الطموح بداخله ليفجر طاقاته الكامنة و يصبح فرداً فعالاً في مجتمعه . 
2-    حث الناس على التعاون فيما بينهم ، و انتهاج العمل الخيري التطوعي الذي يجعل الإنسان يشعر بهموم و آلام غيره . 
3-    وضع سياسة الدولة في خدمة التنمية، وهذا ما تؤكده سيرة الإمام مع الشعب، وتوجيهاته للولاة والموظفين، ومن أبرزها واشملها عهده لمالك الأشتر حين ولاه مصر عندما أوصاه أن يكون محباً للرعية ، محترماً لمشاعر الناس من أي فئةٍ كانوا ، سواءً كانوا مسلمين أم من أهل الأديان الأخرى . 

زهد الإمام علي :
فقد كان الزهد من أبرز معالم هذه الشخصية ، و أوضح سماتها ، فقد زهد كل ملذات الحياة و طلّق زينتها ، و عاش عيشة الفقراء و أهل المتربة من رعيَّته ، و زهد في المال و السلطان و كل ما يطمع به الطامعون ، و كان يأكل خبز الشعير قبل ولايته و بعدها ، و كانت تُجبى الأموال إلى خزانة الدولة الّتي يضطلّع بقيادتها من شرق الأرض وغربها . وكان يلبس أبسط أنواع الثياب ، وثمن قميصه ثلاثة دراهم .
وبقي ملتزماً بخطه في الزُّهد طوال حياته ، فقد رفض أن يسكن القصر الّذي كان مُعدّاً له في الكوفة ، حِرْصاً منهُ على التأسِّي بالمساكين .
يقول (ولَوْ شِئْتُ لاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، ولا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ)

وفاة الإمام علي :
لما تواعد ابن ملجم - عليه لعنة الله وملائكته وخلقه - وصاحباه على قتل علي عليه السلام ومعاوية وعمرو بن العاص ، دخل ابن ملجم المسجد في بزوغ الفجر الأول فدخل الصلاة تطوعاً و افتتح القراءة فأقبل علي عليه السلام وبيده مخفقة وهو يوقظ الناس للصلاة فمر بابن ملجم لعنه الله ودخل الصلاة فتبعه ابن ملجم لعنه الله فضربه على هامة رأسه ، و وقع السيف  منه فجعل الامام يقول: أيها الناس احذروا السيف فإنه مسموم فمات روحي وروح العالمين له الفداء من تلك الضربة بعد ليلتين ولما ضُرِب عليه السلام قال: " فزتُ ورب الكعبة ".. فزتَ و أيما فوز يا علي ، هنيئاً لك .

ظلم الإمام علي :
في الوقت الذي أُجحِف فيه الإمام علي و ظُلم من أمَّته ( دون التطرق لأنواع الظلم الكثيرة التي تعرض لها الإمام منذ بداية حياته و حتى لحظة اغتياله و التي يطول شرحها )، نجد أن تم إنصافه نسبياً من الغرب الغير مسلمين ، حيث دعت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي لعام 2002م الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم الدول العربية إلى اتخاذ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مثالاً لتشجيع المعرفةوتأسيس الدولة على مبادئ العدالة.


بقي الكثير و الكثير كي نكتبه يا علي ، فلم نغطّي و لو مثقال ذرةٍ من سيرتك العطرة و إنجازاتك الخالدة و مناقبك و صفاتك المُبَجَّلة ، لكن غصَّت الصحف ، و جفت المحابر ، و أزف الوقت و لم ننتهي ، فنحتاج للكثير من كل شيء حتى نغطي ما فيك من كل شيء ، و لن نفلح ، و بقي أن أطرح تساؤلاً :

إذا كانت البداية في جوف الكعبة ، و النهاية في سجدة المحراب ، ترى هل ستتمكن عقولنا من استيعاب ما تلك السيرة العظيمة بين هذه البداية و تلك النهاية ؟! فما نقول في رجلٍ أخفى فضائله محبيه خوفاً ، و أعداؤه بغضاً و وصلنا ما ملأ بين الخافقين ؟!

تنويه : تمت الإستعانة ببعض المراجع و مواقع الإنترنت لإتمام هذا الموضوع و ظهوره بهذا الشكل ، و من باب الأمانة الأدبية و العلمية وجب التنويه .